كتم / كرم/ كرفس/ كراث/ اللبن/ لبان/ ماء زمزم/ مسك/ نخل/ مرزنجوس/ نخل/ نرجس/ نورة/ نبق/ هندبا/ ورس/ وسمة/ يقطين
كتم :
روى
البخاري في صحيحه : عن عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : دخلنا على
أم سلمة رضي الله عنها ، فأخرجت إلينا شعراً من شعر رسول الله ، فإذا
هو مخضوب بالحناء والكتم .
وفي السنن الأربعة : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن
أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم " .
وفي الصحيحين : عن أنس رضي الله عنه ، أن أبا بكر رضي الله عنه اختضب
بالحناء والكتم .
وفي سنن أبي داود : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : " مر على
النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب بالحناء فقال : ما أحسن هذا ؟
فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم ، فقال : هذا أحسن من هذا فمر آخر قد
خضب بالصفرة ، فقال : هذا أحسن من هذا كله " .
قال الغافقي : الكتم نبت ينبت بالسهول ، ورقه قريب من ورق الزيتون ،
يعلو فوق القامة ، وله ثمر قدر حب الفلفل ، في داخله نوى ، إذا رضخ
اسود ، وإذا استخرجت عصارة ورقه ، وشرب منها قدر أوقية ، قيأ قيئاً
شديداً ، وينفع عن عضة الكلب ، وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب
به .
وقال الكندي : بزر الكتم إذا اكتحل به ، حلل الماء النازل في العين
وأبرأها .
وقد ظن بعض الناس أن الكتم هو الوسمة ، وهي ورق النيل ، وهذا وهم ، فإن
الوسمة غير الكتم . قال صاحب الصحاح : الكتم بالتحريك : نبت يخلط
بالوسمة يختضب به ، قبل : والوسمة نبات له ورق طويل يضرب لونه إلى
الزرقة أكبر من ورق الخلاف ، يشبه ورق اللوبيا ، وأكبر منه ، يؤتى به
من الحجاز واليمن .
فإن قيل : قد ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه ، أنه قال : لم
يختضب النبي صلى الله عليه وسلم .
قيل : قد أجاب أحمد بن حنبل عن هذا وقال : قد شهد به غير أنس رضي الله
عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه خضب ، وليس من شهد بمنزلة من لم
يشهد ، فأحمد أثبت خضاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه جماعة من
المحدثين ، ومالك أنكره .
فإن قيل : فقد ثبت في صحيح مسلم النهي عن الخضاب بالسواد في شأن أبي
قحافة لما أتي به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال : " غيروا هذا
الشيب وجنبوه السواد " .
والكتم يسود الشعر .
فالجواب من وجهين ، أحدهما : أن النهي عن التسويد البحت ، فأما إذا
أضيف إلى الحناء شئ آخر ، كالكتم ونحوه ، فلا بأس به ، فإن الكتم
والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود بخلاف الوسمة ، فإنها تجعله
أسود فاحماً ، وهذا أصح الجوابين .
الجواب الثاني : أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس ، كخضاب
شعر الجارية ، والمرأة الكبيرة تغر الزوج ، والسيد بذلك ، وخضاب الشعر
يغر المرأة بذلك ، فإنه من الغش والخداع ، فأما إذا لم يتضمن تدليساً
ولا خداعاً ، فقد صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا
يخضبان بالسواد ، ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب تهذيب الآثار وذكره
عن عثمان بن عفان ، وعبد الله بن جعفر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعقبة بن
عامر ، والمغيرة بن شعبة ، وجرير بن عبد الله ، وعمرو بن العاص ، وحكاه
عن جماعة من التابعين ، منهم : عمرو بن عثمان ، وعلي بن عبد الله بن
عباس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وموسى بن
طلحة ، والزهري ، وأيوب ، وإسماعيل بن معدي كرب .
وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ، ويزيد ، وابن جريج ، وأبي يوسف ،
وأبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن علاقة ، وغيلان بن جامع ، ونافع
بن جبير ، وعمرو بن علي المقدمي ، والقاسم بن سلام .
كرم :
شجرة
العنب ، وهي الحبلة ، ويكره تسميتها كرماً ، لما روى مسلم في صحيحه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يقولن أحدكم للعنب الكرم
. الكرم : الرجل المسلم " . وفي رواية : " إنما الكرم قلب المؤمن " ،
وفي أخرى : " لا تقولوا : الكرم ، وقولوا : العنب والحبلة " .
وفي هذا معنيان :
أحدهما : أن العرب كانت تسمي شجرة العنب الكرم ، لكثرة منافعها وخيرها
، فكره النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها باسم يهيج النفوس على محبتها
ومحبة ما يتخذ منها من المسكر ، وهو أم الخبائث ، فكره أن يسمى أصله
بأحسن الأسماء وأجمعها للخير .
والثاني : أنه من باب قوله : " ليس الشديد بالصرعة " . " وليس المسكين
بالطواف " . أي : أنكم تسمون شجرة العنب كرماً لكثرة منافعه ، وقلب
المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا الإسم منه ، فإن المؤمن خير كله ونفع
، فهو من باب التنبيه والتعريف لما في قلب المؤمن من الخير ، والجود ،
والإيمان ، والنور ، والهدى ، والتقوى ، والصفات التي يستحق بها هذا
الإسم أكثر من استحقاق الحبلة له .
وبعد : فقوة الحبلة باردة يابسة ، وورقها وعلائقها وعرموشها مبرد في
آخر الدرجة الأولى ، وإذا دقت وضمد بها من الصداع سكنته ، ومن الأورام
الحارة والتهاب المعدة . وعصارة قضبانه إذا شربت سكنت القئ ، وعقلت
البطن ، وكذلك إذا مضغت قلوبها الرطبة . وعصارة ورقها ، تنفع من قروح
الأمعاء ، ونفث الدم وقيئه ، ووجع المعدة ، ودمع شجره الذي يحمل على
القضبان ، كالصمغ إذا شرب أخرج الحصاة ، وإذا لطخ به ، أبرأ القوب
والجرب المتقرح وغيره ، وينبغي غسل العضو قبل استعمالها بالماء
والنطرون ، وإذا تمسح بها مع الزيت حلق الشعر ، ورماد قضبانه إذا تضمد
به مع الخل ودهن الورد والسذاب ، نفع من الورم العارض في الطحال ، وقوة
دهن زهرة الكرم قابضة شبيهة بقوة دهن الورد ، ومنافعها كثيرة قريبة من
منافع النخلة .
كرفس :
روي في
حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أكله ثم
نام عليه ، نام ونكهته طيبة ، وينام آمنا من وجع الأضراس والأسنان " ،
وهذا باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن البستاني منه يطيب
النكهة جداً ، وإذا علق أصله في الرقبه نفع من وجع الأسنان .
وهو حار يابس ، وقيل : رطب مفتح لسداد الكبد والطحال ، وورقه رطباً
ينفع المعدة والكبد الباردة ، ويدر البول والطمث ، ويفتت الحصاة ، وحبه
أقوى في ذلك ، ويهيج الباه ، وينفع من البخر . قال الرازي : وينبغي أن
يجتنب أكله إذا خيف من لدغ العقارب .
كراث :
فيه حديث
لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو باطل موضوع : " من أكل
الكراث ثم نام عليه نام آمناً من ريح البواسير واعتزله الملك لنتن
نكهته حتى يصبح " .
وهو نوعان : نبطي وشامي ، فالنبطي : البقل الذي يوضع على المائدة .
والشامي : الذي له رؤوس ، وهو حار يابس مصدع ، وإذا طبخ وأكل ، أو شرب
ماؤه ، نفع من البواسير الباردة . وإن سحق بزره ، وعجن بقطران ، وبخرت
به الأضراس التي فيها الدود نثرها وأخرجها ، ويسكن الوجع العارض فيها ،
وإذا دخنت المقعدة ببزره خفت البواسير ، هذا كله في الكراث النبطي .
وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللثة ، ويصدع ، ويري أحلاماً رديئة ، ويظلم
البصر ، وينتن النكهة ، وفيه إدرار للبول والطمث ، وتحريك للباه ، وهو
بطيء الهضم .
حرف اللام
لحم :
قال الله
تعالى : " وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون " [ الطور : 22 ] . وقال :
" ولحم طير مما يشتهون " [ الواقعة : 21 ] .
وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " سيد طعام أهل الدنيا ، وأهل الجنة اللحم " . ومن حديث بريدة
يرفعه : " خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم " .
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " فضل عائشة على النساء كفضل
الثريد على سائر الطعام " . والثريد : الخبز واللحم ، قال الشاعر :
إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد
وقال الزهري : أكل اللحم يزيد سبعين قوة . وقال محمد بن واسع : اللحم
يزيد في البصر ؟ ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كلوا اللحم
فإنة يصفي اللون ويخمص البطن ، ويحسن الخلق وقال نافع : كان ابن عمر
إذا كان رمضان لم يفته اللحم ، وإذا سافر لم يفته اللحم ، ويذكر عن علي
: من تركه أربعين ليلة ساء خلقه .
وأما حديث عائشة رضي الله عنها ، الذي رواه أبو دواد مرفوعاً : " لا
تقطعوا اللحم بالسكين ، فإنه من صنيع الأعاجم ، وانهسوه ، فإنه أهنأ
وأمرأ " . فرده الإمام أحمد بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قطعه
بالسكين في حديثين ، وقد تقدما .
واللحم أجناس يختلف باختلاف أصوله وطبائعه ، فنذكر حكم كل جنس وطبعه
ومنفعته ومضرته .
لحم الضأن : حار في الثانية ، رطب في الأولى ، جيده الحولي ، يولد الدم
المحمود القوي لمن جاد هضمه ، يصلح لأصحاب الأمزجة الباردة والمعتدلة ،
ولأهل الرياضات التامة في المواضع والفصول الباردة ، نافع لأصحاب المرة
السوداء ، يقوي الذهن والحفظ . ولحم الهرم والعجيف رديء ، وكذلك لحم
النعاج ، وأجوده : لحم الذكر الأسود منه ، فإنه أخف وألذ وأنفع ،
والخصي أنفع وأجود ، والأحمر من الحيوان السمين أخف وأجود غذاء ،
والجذع من المعز أقل تغذية ، ويطفو في المعدة .
وأفضل اللحم عائذه بالعظم ، والأيمن أخف وأجود من الأيسر ، المقدم أفضل
من المؤخر ، وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها ،
وكل ما علا منه سوى الرأس كان أخف وأجود مما سفل ، وأعطى الفرزدق رجلاً
يشتري له لحماً وقال له: خذ المقدم ، وإياك والرأس والبطن ، فإن الداء
فيهما . ولحم العنق جيد لذيذ ، سريع الهضم خفيف ، ولحم الذراع أخف
اللحم وألذه وألطفه وأبعده من الأذى ، وأسرعه انهضاماً .
وفي الصحيحين : أنه كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولحم
الظهر كثير الغذاء ، يولد دماً محموداً . وفي سنن ابن ماجه مرفوعاً :
" أطيب اللحم لحم الظهر " .
لحم المعز : قليل الحرارة ، يابس ، وخلطه المتولد منه ليس بفاضل وليس
بجيد الهضم ، ولا محمود الغذاء . ولحم التيس رديء مطلقاً ، شديد اليبس
، عسر الإنهضام ، مولد للخلط السوداوي .
قال الجاحظ : قال لي فاضل من الأطباء : يا أبا عثمان ! إياك ولحم المعز
، فإنه يورث الغم ، ويحرك السوداء ، ويورث النسيان ، ويفسد الدم ، وهو
والله يخبل الأولاد .
وقال بعض الأطباء : إنما المذموم منه المسن ، ولا سيما للمسنين ، ولا
رداءة فيه لمن اعتاده . وجالينوس جعل الحولي منه من الأغذية المعتدلة
المعدلة للكيموس المحمود ، وإناثه أنفع من ذكوره .
وقد روى النسائي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أحسنوا إلى
الماعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من دواب الجنة " وفي ثبوت هذا الحديث
نظر . وحكم الأطباء عليه بالمضرة حكم جزئي ليس بكلي عام ، وهو بحسب
المعدة الضعيفة ، والأمزجة الضعيفة التي لم تعتده ، واعتادت المأكولات
اللطيفة ، وهؤلاء أهل الرفاهية من أهل المدن ، وهم القليلون من الناس .
لحم الجدي : قريب إلى الإعتدال ، خاصة ما دام رضيعاً ، ولم يكن قريب
العهد بالولادة ، وهو أسرع هضماً لما فيه من قوة اللبن ، ملين للطبع ،
موافق لأكثر الناس في أكثر الأحوال ، وهو ألطف من لحم الجمل ، والدم
المتولد عنه معتدل .
لحم البقر : بارد يابس ، عسر الإنهضام ، بطيء الإنحدار ، يولد دماً
سوداوياً ، لا يصلح إلا لأهل الكد والتعب الشديد ، ويورث إدمانه
الأمراض السوداوية ، كالبهق والجرب ، والقوباء والجذام ، وداء الفيل ،
والسرطان ، والوسواس ، وحمى الربع ، وكثير من الأورام، وهذا لمن لم
يعتده ، أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثوم والدارصيني ، والزنجبيل ونحوه
، وذكره أقل برودة ، وأنثاه أقل يبساً . ولحم العجل ولا سيما السمين من
أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها ، وهو حار رطب ، وإذا انهضم غذى
غذاء قوياً .
لحم الفرس : ثبت في الصحيح عن أسماء رضي الله عنها قالت : نحرنا
فرساً فأكلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وثبت عنه صلى
الله عليه وسلم أنه أذن في لحوم الخيل ، ونهى عن لحوم الحمر أخرجاه في
الصحيحين .
ولا يثبت عنه حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - أنه نهى عنه .
قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث .
واقترانه بالبغال والحمير في القرآن لا يدل على أن حكم لحمه حكم لحومها
بوجه من الوجوه ، كما لا يدل على أن حكمها في السهم في الغنيمة حكم
الفرس ، والله سبحانه يقرن في الذكر بين المتماثلات تارة ، وبين
المختلفات ، وبين المتضادات ، وليس في قوله : " لتركبوها " [ النحل : 8
] ، ما يمنع من أكلها ، كما ليس فيه ما يمنع من غير الركوب من وجوه
الإنتفاع ، وإنما نص على أجل منافعها ، وهو الركوب ، والحديثان في حلها
صحيحان لا معارض لهما ، وبعد : فلحمها حار يابس ، غليظ سوداوي مضر لا
يصلح للأبدان اللطيفة .
لحم الجمل : فرق ما بين الرافضة وأهل السنة ، كما أنه أحد الفروق بين
اليهود وأهل الإسلام ، فاليهود والرافضة تذمه ولا تأكله ، وقد علم
بالإضطرار من دين الإسلام حله ، وطالما أكله رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه حضراً وسفراً .
ولحم الفصيل منه من ألذ اللحوم وأطيبها وأقواها غذاء ، وهو لمن اعتاده
بمنزلة لحم الضأن لا يضرهم البتة ، ولا يولد لهم داء ، وإنما ذمه بعض
الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية من أهل الحضر الذين لم يعتادوه ، فإن
فيه حرارة ويبساً ، وتوليداً للسوداء ، وهو عسر الإنهضام ، وفيه قوة
غير محمودة ، لأجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من أكله في
حديثين صحيحين لا معارض لهما ، ولا يصح تأويلهما بغسل اليد ، لأنه خلاف
المعهود من الوضوء في كلامه صلى الله عليه وسلم ، لتفريقه بينه وبين
لحم الغنم ، فخير بين الوضوء وتركه منها ، وحتم الوضوء من لحوم الإبل .
ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط ، لحمل على ذلك في قوله : " من مس
فرجه فليتوضأ " .
وأيضاً : فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده بأن يوضع في فمه ، فإن كان
وضؤوه غسل يده ، فهو عبث ، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه ،
ولا يصح معارضته بحديث : " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ترك الوضوء مما مست النار " لعدة أوجه :
أحدها : أن هذا عام ، والأمر بالوضوء ، منها خاص .
الثاني : أن الجهة مختلفة ، فالأمر بالوضوء منها بجهة كونها لحم إبل
سواء كان نيئاً ، أو مطبوخاً ، أو قديداً ، ولا تأثير للنار في الوضوء
وأما ترك الوضوء مما مست النار ، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب
للوضوء ، فأين أحدهما من الآخر ؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء ، وهو كونه
لحم إبل ، وهذا فيه نفي لسبب الوضوء ، وهو كونه ممسوس النار ، فلا
تعارض بينهما بوجه .
الثالث : أن هذا ليس فيه حكاية ولفظ عام عن صاحب الشرع ، وإنما هو
إخبار عن واقعة فعل في أمرين ، أحدهما : متقدم على الآخر ، كما جاء ذلك
مباين في نفس الحديث ، أنهم قربوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحماً
، فأكل ، ثم حضرت الصلاة ، فتوضأ فصلى ، ثم قربوا إليه فأكل ، ثم صلى ،
ولم يتوضأ ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار ، هكذا جاء
الحديث ، فاختصره الراوي لمكان الإستدلال ، فأين في هذا ما يصلح لنسخ
الأمر بالوضوء منه ، حتى لو كان لفظاً عاماً متأخراً مقاوماً ، لم يصلح
للنسخ ، ووجب تقديم الخاص عليه ، وهذا في غاية الظهور .
لحم الضب : تقدم الحديث في حله ، ولحمه حار يابس ، يقوي شهوة الجماع .
لحم الغزال : الغزال أصلح الصيد وأحمده لحماً ، وهو حار يابس ، وقيل :
معتدل جداً ، نافع للأبدان المعتدلة الصحيحة ، وجيده الخشف .
لحم الظبي : حار يابس في الأولى ، مجفف للبدن ، صالح للأبدان الرطبة .
قال صاحب القانون : وأفضل لحوم الوحش لحم الظبي مع ميله إلى
السوداوية .
لحم الأرانب : ثبت في الصحيحين : عن أنس بن مالك قال أنفجنا أرنباً
فسعوا في طلبها ، فأخذوها ، فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقبله .
لحم الأرنب : معتدل إلى الحرارة واليبوسة ، وأطيبها وركها ، وأحمده أكل
لحمها مشوياً ، وهو يعقل البطن ، ويدر البول ، ويفتت الحصى ، وأكل
رؤوسها ينفع من الرعشة .
لحم حمار الوحش : ثبت في الصحيحين : من حديث أبي قتادة رضي الله عنه
، أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عمره ، وأنه صاد
حمار وحش ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكله وكانوا محرمين ، ولم
يكن أبو قتادة محرماً .
وفي سنن ابن ماجه : عن جابر قال : أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش .
لحمه حار يابس ، كثير التغذية ، مولد دماً غليظاً سوداوياً ، إلا أن
شحمه نافع مع دهن القسط لوجع الظهر والريح الغليظة المرخية للكلى ،
وشحمه جيد للكلف طلاء ، وبالجملة فلحوم الوحوش كلها تولد دماً غليظاً
سوداوياً وأحمده الغزال ، وبعده الأرنب .
لحوم الأجنة : غير محمودة لاحتقان الدم فيها ، وليست بحرام ، لقوله صلى
الله عليه وسلم : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " .
ومنع أهل العراق من أكله إلا أن يدركه حياً فيذكيه ، وأولوا الحديث على
أن المراد به أن ذكاته كذكاة أمه . قالوا : فهو حجة على التحريم ، وهذا
فاسد ، فإن أول الحديث أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا
: يا رسول الله ! نذبح الشاة ، فنجد في بطنها جنيناً أفنأكله ؟ فقال :
" كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " .
وأيضاً : فالقياس يقتضي حله ، فإنه ما دام حملاً فهو جزء من أجزاء الأم
، فذكاتها ذكاة لجميع أجزائها ، وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الشرع
بقوله : ذكاته ذكاة أمه كما تكون ذكاتها ذكاة سائر أجزائها ، فلو لم
تأت عنه السنة الصريحة بأكله ، لكان القياس الصحيح يقتضي حله .
لحم القديد : في السنن من حديث ثوبان رضي الله عنه قال : ذبحت لرسول
الله صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون ، فقال : " أصلح لحمها " فلم
أزل أطعمه منه إلى المدينة .
القديد : أنفع من النمكسود ، ويقوي الأبدان ، ويحدث حكة ، ودفع ضرره
بالأبازير الباردة الرطبة ، ويصلح الأمزجة الحارة والنمكسود : حار يابس
مجفف ، جيده من السمين الرطب ، يضر بالقولنج ، ودفع مضرته طبخه باللبن
والدهن ، ويصلح للمزاج الحار الرطب .
فصل
في لحوم الطير
قال الله تعالى : " ولحم طير مما يشتهون " [ الواقعة : 21 ] .
وفي مسند البزار وغيره مرفوعاً " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ،
فتشتهيه ، فيخر مشوياً بين يديك " .
ومنه حلال ، ومنه حرام . فالحرام : ذو المخلب ، كالصقر والبازي
والشاهين ، وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق والعقعق والغراب
الأبقع والأسود الكبير ، وما نهي عن قتله كالهدهد والصرد ، وما أمر
بقتله كالحدأة والغراب .
والحلال أصناف كثيرة ، فمنه الدجاج ، ففي الصحيحين : من حديث موسى ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحم الدجاج وهو حار رطب في الأولى ،
خفيف على المعدة ، سريع الهضم ، جيد الخلط ، يزيد في الدماغ والمني ،
ويصفي الصوت ، ويحسن اللون ، ويقوي العقل ، ويولد دماً جيداً ، وهو
مائل إلى الرطوبة ، ويقال : إن مداومة أكله تورث النقرس ، ولا يثبت ذلك
.
ولحم الديك أسخن مزاجاً ، وأقل رطوبة ، والعتيق منه دواء ينفع القولنج
والربو والرياح الغليظة إذا طبخ بماء القرطم والشبث ، وخصيها محمود
الغذاء ، سريع الإنهضام ، والفراريج سريعة الهضم ، ملينة للطبع ، والدم
المتولد منها دم لطيف جيد .
لحم الدراج : حار يابس في الثانية ، خفيف لطيف ، سريع الإنهضام مولد
للدم المعتدل ، والإكثار منه يحد البصر .
لحم الحجل : يولد الدم الجيد ، سريع الإنهضام .
لحم الإوز : حار يابس ، رديء الغذاء إذا اعتيد وليس بكثير الفضول .
لحم البط : حار رطب ، كثير الفضول ، عسر الإنهضام ، غير موافق للمعدة .
لحم الحبارى : في السنن من حديث بريه بن عمر بن سفينة ، عن أبيه ، عن
جده رضي الله عنه قال : أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم
حبارى .
وهو حار يابس ، عسر الإنهضام ، نافع لأصحاب الرياضة والتعب .
لحم الكركي : يابس خفيف ، وفي حره وبرده خلاف ، يولد دماً سوداوياً ،
ويصلح لأصحاب الكد والتعب ، وينبغي أن يترك بعد ذبحه يوماً أو يومين ،
ثم يؤكل .
لحم العصافير والقنابر : روى النسائي في سننه : من حديث عبد الله بن
عمرو رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من إنسان
يقتل عصفوراً فما فوقه بغير حقه إلا سأله الله عز وجل عنها . قيل : يا
رسول الله ! وما حقه ؟ قال : تذبحه فتأكله ، ولا تقطع رأسه وترمي به "
.
وفي سننه أيضاً : عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : " من قتل عصفوراً عبثاً ، عج إلى الله يقول
: يا رب إن فلاناً قتلني ، عبثاً ، ولم يقتلني لمنفعة " .
ولحمه حار يابس ، عاقل للطبيعة ، يزيد في الباه ، ومرقه يلين الطبع ،
وينفع المفاصل ، وإذا أكلت أدمغتها بالزنجيبل والبصل ، هيجت شهوة
الجماع ، وخلطها غير محمود .
لحم الحمام : حار رطب ، وحشيه أقل رطوبة ، وفراخه أرطب خاصية ، وما ربي
في الدور وناهضه أخف لحماً ، وأحمد غذاء ، ولحم ذكورها شفاء من
الإسترخاء والخدر والسكتة والرعشة ، وكذلك شم رائحة أنفاسها ، وأكل
فراخها معين على النساء ، وهو جيد للكلى ، يزيد في الدم ، وقد روي فيها
حديث باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن رجلاً شكى
إليه الوحدة، فقال : اتخذ زوجاً من الحمام " . وأجود من هذا الحديث
أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة ، فقال : شيطان يتبع
شيطانة .
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه في خطبته يأمر بقتل الكلاب وذبح
الحمام .
لحم القطا : يابس ، يولد السوداء ، ويحبس الطبع ، وهو من شر الغذاء ،
إلا أنه ينفع من الإستسقاء .
لحم السمانى : حار يابس ، ينفع المفاصل ، ويضر بالكبد الحار ، ودفع
مضرته بالخل والكسفرة ، وينبغي أن يجتنب من لحوم الطير ما كان في
الآجام والمواضع العفنة ، ولحوم الطير كلها أسرع انهضاماً من المواشي ،
وأسرعها انهضاماً ، أقلها غذاء ، وهي الرقاب والأجنحة ، وأدمغتها أحمد
من أدمغة المواشي .
الجراد : في الصحيحين : عن عبد الله بن أبي أوفى قال : غزونا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد .
وفي المسند عنه : " أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد ، والكبد
والطحال " . يروى مرفوعاً وموقوفاً على ابن عمر رضي الله عنه .
وهو حار يابس ، قليل الغذاء ، وإدامة أكله تورث الهزال ، وإذا تبخر به
نفع من تقطير البول وعسره ، وخصوصاً للنساء ، ويتبخر به للبواسير ،
وسمانه يشوى ويؤكل للسع العقرب ، وهو ضار لأصحاب الضرع ، رديء الخلط ،
وفي إباحة ميتته بلا سبب قولان ، فالجمهور على حله ، وحرمه مالك ، ولا
خلاف في إباحة ميتته إذا مات بسبب ، كالكبس والتحريق ونحوه .
فصل
وينبغي ألا يداوم على أكل اللحم ، فإنه يورث الأمراض الدموية
والإمتلائية ، والحميات الحادة ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
إياكم واللحم ، فإن له ضراوة كضراوة الخمر ، ذكره مالك في الموطأ عنه
. وقال أبقراط : لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان .
اللبن :
قال الله
تعالى : " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث
ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " [ النحل : 66 ] وقال في الجنة : "
فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " [ محمد : 15
] وفي السنن مرفوعاً : " من أطعمه الله طعاماً فليقل : اللهم بارك
لنا فيه ، وارزقنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك
لنا فيه ، وزدنا منه ، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا
اللبن " .
اللبن : وإن كان بسيطاً في الحس ، إلا أنه مركب في أصل الخلقة تركيباً
طبيعياً من جواهر ثلاثة : الجبنية ، والسمنية ، والمائية ، فالجبنية :
باردة رطبة ، مغذية للبدن ، والسمنية : معتدلة الحرارة والرطوبة ملائمة
للبدن الإنساني الصحيح ، كثيرة المنافع ، والمائية : حارة رطبة ، مطلقة
للطبيعة ، مرطبة للبدن ، واللبن على الإطلاق أبرد وأرطب من المعتدل .
وقيل : قوته عند حلبه الحرارة والرطوبة ، وقيل : معتدل في الحرارة
والبرودة .
وأجود ما يكون اللبن حين يحلب ، ثم لا يزال تنقص جودته على ممر الساعات
، فيكون حين يحلب أقل برودة ، وأكثر رطوبة ، والحامض بالعكس ، ويختار
اللبن بعد الولادة بأربعين يوماً ، وأجوده ما اشتد بياضه ، وطاب ريحه ،
ولذ طعمه ، وكان فيه حلاوة يسيرة ، ودسومة معتدلة ، واعتدل قوامه في
الرقة والغلظ ، وحلب من حيوان فتي صحيح ، معتدل اللحم ، محمود المرعى
والمشرب.
وهو محمود يولد دماً جيداً ، ويرطب البدن اليابس ، ويغذو غذاء حسناً ،
وينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية ، وإذا شرب مع العسل نقى
القروح الباطنة من الأخلاط العفنة ، وشربه مع السكر يحسن اللون جداً ،
والحليب يتدارك ضرر الجماع ، ويوافق الصدر والرئة ، جيد لأصحاب السل ،
رديء للرأس والمعدة ، والكبد والطحال ، والإكثار منه مضر بالأسنان
واللثة ، ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء ، وفي الصحيحين : أن
النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ، ثم دعا بماء فتمضمض وقال : " إن
له دسماً " . وهو رديء للمحمومين ، وأصحاب الصداع ، مؤذ للدماغ ،
والرأس الضعيف ، والمداومة عليه تحدث ظلمة البصر والغشاء ، ووجع
المفاصل ، وسدة الكبد ، والنفخ في المعدة والأحشاء ، وإصلاحه بالعسل
والزنجبيل المربى ونحوه ، وهذا كله لمن لم يعتده .
لبن الضأن : أغلظ الألبان وأرطبها ، وفيه من الدسومة والزهومة ما ليس
في لبن الماعز والبقر ، يولد فضولاً بلغمياً ، ويحدث في الجلد بياضاً
إذا أدمن استعماله ، ولذلك ينبغي أن يشرب هذا اللبن بالماء ليكون ما
نال البدن منه أقل ، وتسكينه للعطش أسرع ، وتبريده أكثر .
لبن المعز : لطيف معتدل ، مطلق للبطن ، مرطب للبدن اليابس ، نافع من
قروح الحلق ، والسعال اليابس ، ونفث الدم .
واللبن المطلق أنفع المشروبات للبدن الإنساني لما اجتمع فيه من التغذية
والدموية ، ولاعتياده حال الطفولية ، وموافقته للفطرة الأصلية ، وفي
الصحيحين : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي ليلة أسري به بقدح
من خمر ، وقدح من لبن ، فنظر إليهما ، ثم أخذ اللبن ، فقال جبريل :
الحمد لله الذي هداك للفطرة ، لو أخذت الخمر ، غوت أمتك " . والحامض
منه بطيء الإستمراء ، خام الخلط ، والمعدة الحارة تهضمه وتنتفع به .
لبن البقر : يغذو البدن ، ويخصبه ، ويطلق البطن باعتدال ، وهو من أعدل
الألبان وأفضلها بين لبن الضأن ، ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسم ،
وفي السنن : من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه : " عليكم بألبان البقر
، فإنها ترم من كل الشجر " .
لبن الإبل : تقدم ذكره في أول الفصل ، وذكر منافعه ، فلا حاجة لإعادته
.
لبان : هو الكندر :
قد
ورد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " بخروا بيوتكم باللبان والصعتر
" ولا يصح عنه ، ولكن يروى عن علي أنه قال لرجل شكا إليه النسيان :
عليك باللبان ، فإنه يشجع القلب ، ويذهب بالنسيان . ويذكر عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن شربه مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان . ويذكر
عن أنس رضي الله عنه ، أنه شكا إليه رجل النسيان ، فقال : عليك بالكندر
وانقعه من الليل ، فإذا أصبحت ، فخذ منه شربة على الريق ، فإنه جيد
للنسيان .
ولهذا سبب طبيعي ظاهر ، فإن النسيان إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلب
على الدماغ ، فلا يحفظ ما ينطبع فيه ، نفع منه اللبان ، وأما إذا كان
النسيان لغلبة شئ عارض ، أمكن زواله سريعاً بالمرطبات . والفرق بينهما
أن اليبوسي يتبعه سهر ، وحفظ الأمور الماضية دون الحالية ، والرطوبي
بالعكس .
وقد يحدث النسيان أشياء بالخاصية ، كحجامة نقرة القفا ، وإدمان أكل
الكسفرة الرطبة ، والتفاح الحامض ، وكثرة الهم والغم ، والنظر في الماء
الواقف ، والبول فيه ، والنظر إلى المصلوب ، والإكثار من قراءة ألواح
القبور ، والمشي بين جملين مقطورين ، وإلقاء القمل في الحياض وأكل سؤر
الفأر ، وأكثر هذا معروف بالتجربة .
والمقصود : أن اللبان مسخن في الدرجة الثانية ، ومجفف في الأولى ، وفيه
قبض يسير ، وهو كثير المنافع ، قليل المضار ، فمن منافعه : أن ينفع من
قذف الدم ونزفه ، ووجع المعدة ، واستطلاق البطن ، ويهضم الطعام ، ويطرد
الرياح ، ويجلو قروح العين ، وينبت اللحم في سائر القروح ، ويقوي
المعدة الضعيفة ، ويسخنها ، ويجفف البلغم ، وينشف رطوبات الصدر ، ويجلو
ظلمة البصر ، ويمنع القروح الخبيثة من الإنتشار ، وإذا مضغ وحده ، أو
مع الصعتر الفارسي جلب البلغم ، ونفع من اعتقال اللسان ، ويزيد في
الذهن ويذكيه ، وإن بخر به ماء ، نفع من الوباء ، وطيب رائحة الهواء .
حرف الميم
ماء :
مادة
الحياة ، وسيد الشراب ، وأحد أركان العالم ، بل ركنه الأصلي ، فإن
السماوات خلقت من بخاره ، والأرض من زبده ، وقد جعل الله منه كل شئ حي
.
وقد اختلف فيه : هل يغذو ، أو ينفذ الغذاء فقط ؟ على قولين ، وقد تقدما
، وذكرنا القول الراجح ودليله .
وهو بارد رطب ، يقمع الحرارة ، ويحفظ على البدن رطوباته ، ويرد عليه
بدل ما تحلل منه ، ويرقق الغذاء ، وينفذه في العروق .
وتعتبر جودة الماء من عشرة طرق :
أحدها : من لونه بأن يكون صافياً .
الثاني : من رائحته بأن لا تكون له رائحة البتة .
الثالث : من طعمه بأن يكون عذب الطعم حلوه ، كماء النيل والفرات .
الرابع : من وزنه بأن يكون خفيفاً رقيق القوام .
الخامس : من مجراه . بأن يكون طيب المجرى والمسلك .
السادس : من منبعه بأن يكون بعيد المنبع .
السابع : من بروزه للشمس والريح ، بأن لا يكون مختفياً تحت الأرض ، فلا
تتمكن الشمس والريح من قصارته .
الثامن : من حركته بأن يكون سريع الجري والحركة .
التاسع : من كثرته بأن يكون له كثرة يدفع الفضلات المخالطة له .
العاشر : من مصبه بأن يكون آخذاً من الشمال إلى الجنوب ، أو من المغرب
إلى المشرق .
وإذا اعتبرت هذه الأوصاف ، لم تجدها بكمالها إلا في الأنهار الاربعة :
النيل ، والفرات ، وسيحون ، وجيحون .
وفي الصحيحين : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " سيحان ، وجيحان ، والنيل ، والفرات ، كل من
أنهار الجنة " .
وتعتبر خفة الماء من ثلاثة أوجه ، أحدها : سرعة قبوله للحر والبرد ،
قال أبقراط : الماء الذي يسخن سريعاً ، ويبرد سريعاً أخف المياه .
الثاني : بالميزان ، الثالث : أن تبل قطنتان متساويتا الوزن بماءين
مختلفين ، ثم يجففا بالغاً ، ثم توزنا ، فأيتهما كانت أخف ، فماؤها
كذلك .
والماء وإن كان في الأصل بارداً رطباً ، فإن قوته تنتقل وتتغير لأسباب
عارضة توجب انتقالها ، فإن الماء المكشوف للشمال المستور عن الجهات
الأخر يكون بارداً ، وفيه يبس مكتسب من ريح الشمال ، وكذلك الحكم على
سائر الجهات الأخر .
والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المعدن ، ويؤثر في
البدن تأثيره ، والماء العذب نافع للمرضى والأصحاء ، والبارد منه أنفع
وألذ ، ولا ينبغي شربه على الريق ، ولا عقيب الجماع ، ولا الإنتباه من
النوم ، ولا عقيب الحمام ، ولا عقيب أكل الفاكهة ، وقد تقدم . وأما على
الطعام ، فلا بأس به إذا اضطر إليه ، بل يتعين ولا يكثر منه ، بل
يتمصصه مصاً ، فإنه لا يضره البتة ، بل يقوي المعدة ، وينهض الشهوة ،
ويزيل العطش .
والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضد ما ذكرناه ، وبائته أجود من طريه وقد تقدم
. والبارد ينفع من داخل أكثر من نفعه من خارج ، والحار بالعكس ، وينفع
البارد من عفونة الدم ، وصعود الأبخرة إلى الرأس ، ويدفع العفونات ،
ويوافق الأمزجة والأسنان والأزمان والأماكن الحارة ، ويضر على كل حالة
تحتاج إلى نضج وتحليل ، كالزكام والأورام ، والشديد البرودة منه يؤذي
الأسنان ، والإدمان عليه يحدث انفجار الدم والنزلات ، وأوجاع الصدر .
والبارد والحار بإفراط ضاران للعصب ولأكثر الأعضاء ، لأن أحدهما محلل ،
والآخر مكثف ، والماء الحار يسكن لذع الأخلاط الحادة ، ويحلل وينضج ،
ويخرج الفضول ، ويرطب ويسخن ، ويفسد الهضم شربه ، ويطفو بالطعام إلى
أعلى المعدة ويرخيها ، ولا يسرع في تسكين العطش ، ويذبل البدن ، ويؤدي
إلى أمراض رديئة ، ويضر في أكثر الأمراض على أنه صالح للشيوخ ، وأصحاب
الصرع ، والصداع البارد ، والرمد . وأنفع ما استعمل من خارج .
ولا يصح في الماء المسخن بالشمس حديث ولا أثر ، ولا كرهه أحد من قدماء
الأطباء ، ولا عابوه ، والشديد السخونة يذيب شحم الكلى ، وقد تقدم
الكلام على ماء الأمطار في حرف العين .
ماء الثلج والبرد : ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يدعو في الإستفتاح وغيره : " اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج
والبرد " .
الثلج له في نفسه كيفية حادة دخانية ، فماؤه كذلك ، وقد تقدم وجه
الحكمة في طلب الغسل من الخطايا بمائه لما يحتاج إليه القلب من التبريد
والتصليب والتقوية ، ويستفاد من هذا أصل طب الأبدان والقلوب ، ومعالجة
أدوائها بضدها .
وماء البرد ألطف وألذ من ماء الثلج ، وأما ماء الجمد وهو الجليد ،
فبحسب أصله .
والثلج يكتسب كيفية الجبال والأرض التي يسقط عليها في الجودة والرداءة
، وينبغي تجنب شرب الماء المثلوج عقيب الحمام والجماع ، والرياضة
والطعام الحار ، ولأصحاب السعال ، ووجع الصدر ، وضعف الكبد ، وأصحاب
الأمزجة الباردة .
ماء الآبار والقني : مياه الآبار قليلة اللطافة ، وماء القني المدفونة
تحت الأرض ثقيل ، لأن أحدهما محتقن لا يخلو عن تعفن ، والآخر محجوب عن
الهواء ، وينبغي ألا يشرب على الفور حتى يصمد للهواء ، وتأتي عليه ليلة
، وأردؤه ما كانت مجاريه من رصاص ، أو كانت بئره معطلة ، ولا سيما إذا
كانت تربتها رديئة ، فهذا الماء وبيء وخيم .
ماء زمزم :
سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً ، وأحبها إلى
النفوس وأغلاها ثمناً ، وأنفسها عند الناس ، وهو هزمة جبريل وسقيا الله
إسماعيل .
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال لأبي ذر وقد
أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ، ليس له طعام
غيره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنها طعام طعم " . وزاد غير
مسلم بإسناده : "وشفاء سقم" .
وفي سنن ابن ماجه . من حديث جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم انه قال : " ماء زمزم لما شرب له " . وقد ضعف هذا الحديث
طائفة بعبد الله بن المؤمل راويه عن محمد بن المنكدر . وقد روينا عن
عبد الله بن المبارك ، أنه لما حج ، أتى زمزم ، فقال : اللهم إن ابن
أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر ، عن جابر رضي الله عنه ، عن
نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ماء زمزم لما شرب له " ، وإني
أشربه لظمإ يوم القيامة ، وابن أبي الموالي ثقة ، فالحديث إذاً حسن ،
وقد صححه بعضهم ، وجعله بعضهم موضوعاً ، وكلا القولين فيه مجازفة .
وقد جربت أنا وغيري من الإستثسفاء بماء زمزم أموراً عجيبة ، واستشفيت
به من عدة أمراض ، فبرأت بإذن الله ، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات
العدد قريباً من نصف الشهر ، أو أكثر ، ولا يجد جوعاً ، ويطوف مع الناس
كأحدهم ، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً ، وكان له قوة يجامع
بها أهله ، ويصوم ويطوف مراراً .
ماء النيل : أحد أنهار الجنة ، أصله من وراء جبال القمر في أقصى بلاد
الحبشة من أمطار تجتمع هناك ، وسيول يمد بعضها بعضاً ، فيسوقه الله
تعالى إلى الأرض الجرز التي لا نبات لها ، فيخرج به زرعاً ، تأكل منه
الأنعام والأنام ، ولما كانت الأرض التي يسوقه إليها إبليزاً صلبة ، إن
أمطرت مطر العادة ، لم ترو ، ولم تتهيأ للنبات ، وإن أمطرت فوق العادة
ضرت المساكن والساكن ، وعطلت المعايش والمصالح ، فأمطر البلاد البعيدة
، ثم ساق تلك الأمطار إلى هذه الأرض في نهر عظيم ، وجعل سبحانه زيادته
في أوقات معلومة على قدر ري البلاد وكفايتها ، فإذا أروى البلاد وعمها
، أذن سبحانه بتناقصه وهبوطه لتتم المصلحة بالتمكن من الزرع ، واجتمع
في هذا الماء الأمور العشرة التي تقدم ذكرها ، وكان من ألطف المياه
وأخفها وأعذبها وأحلاها .
ماء البحر : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر : " هو
الطهور ماؤه الحل ميتته " . وقد جعله الله سبحانه ملحاً أجاجاً مراً
زعاقاً لتمام مصالح من هو على وجه الأرض من الآدميين والبهائم ، فإنه
دائم راكد كثير الحيوان ، وهو يموت فيه كثيراً ولا يقبر ، فلو كان
حلواً لأنتن من إقامته وموت حيواناته فيه وأجاف ، وكان الهواء المحيط
بالعالم يكتسب منه ذلك ، وينتن ويجيف ، فيفسد العالم ، فاقتضت حكمة
الرب سبحانه وتعالى أن جعله كالملاحة التي لو ألقي فيه جيف العالم كلها
وأنتانه وأمواته لم تغيره شيئاً ، ولا يتغير على مكثه من حين خلق ،
والى أن يطوي الله العالم ، فهذا هو السبب الغائي الموجب لملوحته ،
وأما الفاعلي ، فكون أرضه سبخة مالحة .
وبعد فالإغتسال به نافع من آفات عديدة في ظاهر الجلد ، وشربه مضر
بداخله وخارجه ، فإنه يطلق البطن ، ويهزل ، ويحدث حكة وجرباً ، ونفخاً
وعطشاً ، ومن اضطر إلى شربه فله طرق من العلاج يدفع بها مضرته .
منها : أن يجعل في قدر ، ويجعل فوق القدر قصبات وعليها صوف جديد منفوش
، ويوقد تحت القدر حتى يرتفع بخارها إلى الصوف ، فإذا كثر عصره ، ولا
يزال يفعل ذلك حتى يجتمع له ما يريد ، فيحصل في الصوف من البخار ما عذب
، ويبقى في القدر الزعاق .
ومنها : أن يحفر على شاطئه حفرة واسعة يرشح ماؤه إليها ، ثم إلى جانبها
قريباً منها أخرى ترشح هي إليها ، ثم ثالثة إلى أن يعذب الماء . وإذا
ألجأته الضرورة إلى شرب الماء الكدر ، فعلاجه أن يلقي فيه نوى المشمش ،
أو قطعة من خشب الساج ، أو جمرا ملتهبا يطفأ فيه ، أو طيناً أرمنياً ،
أو سويق حنطة ، فإن كدرته ترسب إلى أسفل .
مسك :
ثبت في
صحيح مسلم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : " أطيب الطيب المسك " .
وفي الصحيحين : عن عائشة رضي الله عنها : كنت أطيب النبي صلى الله
عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك .
المسك : ملك أنواع الطيب ، وأشرفها وأطيبها ، وهو الذي تضرب به الأمثال
، ويشبه به غيره ، ولا يشبه بغيره ، وهو كثبان الجنة ، وهو حار يابس في
الثانية ، يسر النفس ويقويها ، ويقوي الأعضاء الباطنة جميعها شرباً
وشماً ، والظاهرة إذا وضع عليها . نافع للمشايخ ، والمبرودين ، لا
سيما زمن الشتاء ، جيد للغشي والخفقان ، وضعف القوة بإنعاشه للحرارة
الغريزية ، ويجلو بياض العين ، وينشف رطوبتها ، ويفش الرياح منها ومن
جميع الأعضاء ، ويبطل عمل السموم ، وينفع من نهش الأفاعي ، ومنافعه
كثيرة جداً ، وهو من أقوى المفرحات .
مرزنجوش :
ورد فيه
حديث لا نعلم صحته : " عليكم بالمرزنجوش ، فإنه جيد للخشام " . والخشام
: الزكام .
وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ، ينفع شمه من الصداع البارد ،
والكائن عن البلغم ، والسوداء ، والزكام ، والرياح الغليظة ، ويفتح
السدد الحادثة في الرأس والمنخرين ، ويحلل أكثر الأورام الباردة ،
فينفع من أكثر الأورام والأوجاع الباردة الرطبة ، وإذا احتمل ، أدر
الطمث ، وأعان على الحبل ، وإذا دق ورقه اليابس ، وكمد به ، أذهب آثار
الدم العارض تحت العين ، وإذا ضمد به مع الخل ، نفع لسعة العقرب .
ودهنه نافع لوجع الظهر والركبتين ، ويذهب بالإعياء ، ومن أدمن شمه لم
ينزل في عينيه الماء ، وإذا استعط بمائه مع دهن اللوز المر ، فتح سدد
المنخرين ، ونفع من الريح العارضة فيها ، وفي الرأس . ملح : روى ابن
ماجه في سننه : من حديث أنس يرفعه : " سيد إدامهم الملح " . وسيد
الشئ : هو الذي يصلحه ، ويقوم عليه، وغالب الإدام إنما يصلح بالملح ،
وفي مسند البزار مرفوعاً : " سيوشك أن تكونوا في الناس مثل الملح في
الطعام ، ولا يصلح الطعام إلا بالملح " .
وذكر البغوي في تفسيره : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً
: " إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد ، والنار ،
والماء ، والملح " . والموقوف أشبه .
الملح يصلح أجسام الناس وأطعمتهم ، ويصلح كل شئ يخالطه حتى الذهب
والفضة ، وذلك أن فيه قوة تزيد الذهب صفرة ، والفضة بياضاً ، وفيه جلاء
وتحليل ، وإذهاب للرطوبات الغليظة ، وتنشيف لها ، وتقوية للأبدان ،
ومنع من عفونتها وفسادها ، ونفع من الجرب المتقرح .
وإذا اكتحل به ، قلع اللحم الزائد من العين ، ومحق الظفرة .
والأندراني أبلغ في ذلك ، ويمنع القروح الخبيثة من الإنتشار ويحدر
البراز ، وإذا دلك به بطون أصحاب الإستسقاء ، نفعهم ، وينقي الأسنان ،
ويدفع عنها العفونة ، ويشد اللثة ويقويها ، ومنافعه كثيرة جداً .
حرف النون
نخل :
مذكور في
القرآن في غير موضع ، وفي الصحيحين : عن ابن عمر رضي الله عنهما ،
قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أتي بجمار نخلة
، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر شجرة مثلها مثل
الرجل المسلم لا يسقط ورقها ، أخبروني ما هي ؟ فوقع الناس في شجر
البوادي ، فوقع في نفسي أنها النخلة ، فأردت أن أقول : هي النخلة ، ثم
نظرت فإذا أنا أصغر القوم سناً ، فسكت . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : هي النخلة " ، فذكرت ذلك لعمر ، فقال : لأن تكون قلتها أحب إلي
من كذا وكذا .
ففي هذا الحديث إلقاء العالم المسائل على أصحابه ، وتمرينهم ، واختبار
ما عندهم .
وفيه ضرب الأمثال والتشبيه .
وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن
الكلام بين أيديهم .
وفيه فرح الرجل بإصابة ولده ، وتوفيقه للصواب .
وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه ، وإن لم يعرفه
الأب ، وليس في ذلك إساءة أدب عليه .
وفيه ما تضمنه تشبيه المسلم بالنخلة من كثرة خيرها ، ودوام ظلها ، وطيب
ثمرها ، ووجوده على الدوام .
وثمرها يؤكل رطباً ويابساً ، وبلحاً ويانعاً ، وهو غذاء ودواء وقوت
وحلوى ، وشراب وفاكهة ، وجذوعها للبناء والآلات والأواني، ويتخذ من
خوصها الحصر والمكاتل والأواني والمراوح ، وغير ذلك ، ومن ليفها الحبال
والحشايا وغيرها ، ثم آخر شئ نواها علف للإبل ، ويدخل في الأدوية
والأكحال ، ثم جمال ثمرتها ونباتها وحسن هيئتها ، وبهجة منظرها ، وحسن
نضد ثمرها ، وصنعته وبهجته ، ومسرة النفوس عند رؤيته ، فرؤيتها مذكرة
لفاطرها وخالقها ، وبديع صنعته ، وكمال قدرته ، وتمام حكمته ، ولا شئ
أشبه بها من الرجل المؤمن ، إذ هو خير كله ، ونفع ظاهر وباطن .
وهي الشجرة التي حن جذعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارقه
شوقاً إلى قربه ، وسماع كلامه ، وهي التي نزلت تحتها مريم لما ولدت
عيسى عليه السلام . وقد ورد في حديث في إسناده نظر : " أكرموا عمتكم
النخلة ، فإنها خلقت من الطين
الذي خلق منه آدم " .
وقد اختلف الناس في تفضيلها على الحبلة أو بالعكس على قولين ، وقد قرن
الله بينهما في كتابه في غير موضع ، وما أقرب أحدهما من صاحبه ، وإن
كان كل واحد منهما في محل سلطانه ومنبته، والأرض التي توافقه أفضل
وأنفع .
نرجس :
فيه حديث
لا يصح : " عليكم بشم النرجس فإن في القلب حبة الجنون والجذام والبرص ،
لا يقطعها إلا شم النرجس "
وهو حار يابس في الثانية ، وأصله يدمل القروح الغائرة إلى العصب ، وله
قوة غسالة جالية جابذة ، وإذا طبخ وشرب ماؤه ، أو أكل مسلوقاً ، هيج
القئ ، وجذب الرطوبة من قعر المعدة ، وإذا طبخ مع الكرسنة والعسل ، نقى
أوساخ القروح ، وفجر الدبيلات العسرة النضج .
وزهره معتدل الحرارة ، لطيف ينفع الزكام البارد ، وفيه تحليل قوي ،
ويفتح سدد الدماغ والمنخرين ، وينفع من الصداع الرطب والسوداوي ، ويصدع
الرؤوس الحارة ، والمحرق منه إذا شق بصله صليباً ، وغرس ، صار مضاعفاً
، ومن أدمن شمه في الشتاء أمن من البرسام في الصيف ، وينفع من أوجاع
الرأس الكائنة من البلغم والمرة السوداء ، وفيه من العطرية ما يقوي
القلب والدماغ، وينفع من كثير من أمراضها . وقال صاحب التيسير : شمه
يذهب بصرع الصبيان .
نورة :
روى ابن
ماجه : من حديث أم سلمة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ،
كان إذا اطلى بدأ بعورته ، فطلاها بالنورة ، وسائر جسده أهله ، وقد ورد
فيها عدة أحاديث هذا أمثلها .
قيل : إن أول من دخل الحمام ، وصنعت له النورة ، سليمان بن داود ،
وأصلها : كلس جزآن ، وزرنيخ جزء ، يخلطان بالماء ، ويتركان في الشمس أو
الحمام بقدر ما تنضج ، وتشتد زرقته ، ثم يطلى به ، ويجلس ساعة ريثما
يعمل ، ولا يمس بماء ، ثم يغسل ، ويطلى مكانها بالحناء لإذهاب ناريتها
.
نبق :
ذكر أبو
نعيم في كتابه الطب النبوي مرفوعاً : " إن آدم لما أهبط إلى الأرض
كان أول شئ أكل من ثمارها النبق " . وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
النبق في الحديث المتفق على صحته : أنه رأى سدرة المنتهى ليلة أسري به
، وإذا نبقها مثل قلال هجر .
والنبق : ثمر شجر السدر يعقل الطبيعة ، وينفع من الإسهال ، ويدبغ
المعدة ، ويسكن الصفراء ، ويغذو البدن ، ويشهي الطعام ، ويولد بلغماً ،
وينفع الذرب الصفراوي ، وهو بطيء الهضم ، وسويقه يقوي الحشا ، وهو يصلح
الأمزجة الصفراوية ، وتدفع مضرته بالشهد .
واختلف فيه ، هل هو رطب أو يابس ؟ على قولين . والصحيح : أن رطبه بارد
رطب ، ويابسه بارد يابس .
حرف الهاء
هندبا :
ورد
فيها ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يثبت
مثلها ، بل هي موضوعة ، أحدها : " كلوا الهندباء ولا تنفضوه فإنه ليس
يؤم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه " . الثاني : " من أكل
الهندباء ، ثم نام عليها لم يحل
فيه سم ولا سحر " . الثالث : " ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها
قطرة من الجنة " .
وبعد فهي مستحيلة المزاج ، منقلبة بانقلاب فصول السنة ، فهي في الشتاء
باردة رطبة ، وفي الصيف حارة يابسة ، وفي الربيع والخريف معتدلة ، وفي
غالب أحوالها تميل إلى البرودة واليبس ، وهي قابضة مبردة جيدة للمعدة ،
وإذا طبخت وأكلت بخل ، عقلت البطن وخاصة البري منها ، فهي أجود للمعدة
، وأشد قبضاً ، وتنفع من ضعفها .
وإذا تضمد بها ، سلبت الإلتهاب العارض في المعدة ، وتنفع من النقرس ،
ومن أورام العين الحارة ، وإذا تضمد بورقها وأصولها ، نفعت من لسع
العقرب ، وهي تقوي المعدة ، وتفتح السدد العارضة في الكبد ، وتنفع من
أوجاعها حارها وباردها ، وتفتح سدد الطحال والعروق والأحشاء وتنقي
مجاري الكلى .
وأنفعها للكبد أمرها ، وماؤها المعتصر ينفع من اليرقان السددي ، ولا
سيما إذا خلط به ماء الرازيانج الرطب ، وإذا دق ورقها ، ووضع على
الأورام الحارة بردها وحللها ، ويجلو ما في المعدة ، ويطفئ حرارة الدم
والصفراء ، وأصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منفوضة ، لأنها متى غسلت أو
نفضت ، فارقتها قوتها ، وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم
.
وإذا اكتحل بمائها ، نفع من العشا ، ويدخل ورقها في الترياق ، وينفع من
لدغ العقرب ، ويقاوم أكثر السموم ، وإذا اعتصر ماؤها ، وصب عليه
الزيت ، خلص من الأدوية القتالة ، وإذا اعتصر أصلها ، وشرب ماؤه ، نفع
من لسع الأفاعي ، ولسع العقرب ، ولسع الزنبور ، ولبن أصلها يجلو بياض
العين .
حرف الواو
ورس :
ذكر
الترمذي في جامعه : من حديث زيد بن أرقم ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، أنه كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب ، قال قتادة : يلد به ،
ويلد من الجانب الذي يشتكيه .
وروى ابن ماجه في سننه من حديث زيد بن أرقم أيضاً ، قال : نعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورساً وقسطاً وزيتاً يلد به .
وصح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كانت النفساء تقعد بعد نفاسها
أربعين يوماً ، وكانت إحدانا تطلي الورس على وجهها من الكلف .
قال أبو حنيفة اللغوي : الورس يزرع زرعاً ، وليس ببري ، ولست أعرفه
بغير أرض العرب ، ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن .
وقوته في الحرارة واليبوسة في أول الدرجة الثانية ، وأجوده الأحمر
اللين في اليد ، القليل النخالة ، ينفع من الكلف ، والحكة ، والبثور
الكائنة في سطح البدن إذا طلي به ، وله قوة قابضة صابغة ، وإذا شرب نفع
من الوضح ، ومقدار الشربة منه وزن درهم .
وهو في مزاجه ومنافعه قريب من منافع القسط البحري ، وإذا لطخ به على
البهق والحكة والبثور والسفعة نفع منها ، والثوب المصبوغ بالورس يقوي
على الباه .
وسمة :
هي ورق
النيل ، وهي تسود الشعر ، وقد تقدم قريباً ذكر الخلاف في جواز الصبغ
بالسواد ومن فعله .
حرف الياء
يقطين :
وهو
الدباء والقرع ، وإن كان اليقطين أعم ، فإنه في اللغة : كل شجر لا تقوم
على ساق ، كالبطيخ والقثاء والخيار ، قال الله تعالى : " وأنبتنا عليه
شجرة من يقطين " [ الصافات : 146 ] .
فإن قيل : ما لا يقوم على ساق يسمى نجماً لا شجراً ، والشجر : ما له
ساق ، قاله أهل اللغة : فكيف قال : " شجرة من يقطين " ؟ .
فالجواب : أن الشجر إذا أطلق ، كان ما له ساق يقوم عليه ، وإذا قيد بشئ
تقيد به ، فالفرق بين المطلق والمقيد في الأسماء باب مهم عظيم النفع في
الفهم ، ومراتب اللغة .
واليقطين المذكور في القرآن : هو نبات الدباء ، وثمره يسمى الدباء
والقرع ، وشجرة اليقطين . وقد ثبت في الصحيحين : من حديث أنس بن مالك
، أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه ، قال أنس
رضي الله عنه : فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرب إليه
خبزاً من شعير ، ومرقا فيه دباء وقديد ، قال أنس : فرأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة ، فلم أزل أحب الدباء من
ذلك اليوم .
وقال أبو طالوت : دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه ، وهو يأكل القرع
، ويقول : يا لك من شجرة ما أحبك إلي لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إياك .
وفي الغيلانيات : من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي
الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة
إذا طبختم قدراً ، فأكثروا فيها من الدباء ، فإنها تشد قلب الحزين " .
اليقطين : بارد رطب ، يغذو غذاء يسيراً ، وهو سريع الإنحدار ، وإن لم
يفسد قبل الهضم ، تولد منه خلط محمود ، ومن خاصيته أنه يتولد منه خلط
محمود مجانس لما يصحبه ، فان أكل بالخردل ، تولد منه خلط حريف ،
وبالملح خلط مالح ، ومع القابض قابض ، وإن طبخ بالسفرجل غذا البدن غذاء
جيداً .
وهو لطيف مائي يغذو غذاء رطباً بلغمياً ، وينفع المحرورين ، ولا يلائم
المبرودين ، ومن الغالب عليهم البلغم ، وماؤه يقطع العطش، ويذهب الصداع
الحار إذا شرب أو غسل به الرأس ، وهو ملين للبطن كيف استعمل ، ولا
يتداوى المحرورون بمثله ، ولا أعجل منه نفعاً .
ومن منافعه : أنه إذا لطخ بعجين ، وشوي في الفرن أو التنور ، واستخرج
ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة ، سكن حرارة الحمى الملتهبة ، وقطع
العطش ، وغذى غذاء حسناً ، وإذا شرب بترنجبين وسفرجل مربى أسهل صفراء
محضة .
وإذا طبخ القرع ، وشرب ماؤه بشئ من عسل ، وشئ من نطرون ، أحدر بلغماً
ومرة معاً ، وإذا دق وعمل منه ضماد على اليافوخ، نفع من الأورام الحارة
في الدماغ .
وإذا عصرت جرادته ، وخلط ماؤها بدهن الورد ، وقطر منها في الأذن ، نفعت
من الأورام الحارة ، وجرادته نافعة من أورام العين الحارة ، ومن النقرس
الحار ، وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين ، ومتى صادف
في المعدة خلطاً رديئاً ، استحال إلى طبيعته ، وفسد ، وولد في البدن
خلطاً رديئاً ، ودفع مضرته بالخل والمري .
وبالجملة فهو من ألطف الأغذية ، وأسرعها انفعالاً ، ويذكر عن أنس ، رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من أكله .
0 التعليقات:
إرسال تعليق