رمان- زيت- زبد- زنجبيل- سنا- سفرجل- سواك- سمن- سمك- سلق- شونيز- شواء- شحم- صلاة- صبر- صوم- ضب- طيب- طين- طلح- طلع - عنب- عسل- عجوة- عنبر- عود- عدس- غيث- فاتحة الكتاب- فاغية- فضة- قران -قثاء- القسط- قصب السكر- كتاب للحمى- كتاب لعسر الولادة- كتاب للرعاف- كتاب اخر للحزاز- كتاب اخر لعرق النسا- كتاب للعرق الضارب- كتاب لوجع الضرس- كتاب للخراج- كمأة- كباث
قال
تعالى " فيهما فاكهة ونخل ورمان " [ الرحمن ] . ويذكر عن ابن
عباس موقوفاً ومرفوعاً " ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح
بحبة من رمان الجنة " والموقوف أشبه . وذكر حرب وغيره عن علي أنه
قال كلوا الرمان بشحمه ، فإنه دباغ المعدة .
حلو
الرمان حار رطب ، جيد للمعدة ، مقو لها بما فيه من قبض لطيف ، نافع
للحلق والصدر والرئة ، جيد للسعال ، ماؤه ملين للبطن، يغذو البدن
غذاءاً فاضلاً يسيراً ، سريع التحلل لرقته ولطافته ، ويولد حرارة
يسيرة في المعدة وريحاً ، ولذلك يعين على الباه ، ولا يصلح
للمحمومين ، وله خاصية عجيبة إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في
المعدة .
وحامضه
بارد يابس ، قابض لطيف ، ينفع المعدة الملتهبة ، ويدر البول أكثر
من غيره من الرمان ، ويسكن الصفراء ، ويقطع الإسهال ، ويمنع القئ ،
ويلطف الفضول .
ويطفئ
حرارة الكبد ويقوي الأعضاء ، نافع من الخفقان الصفراوي ، والآلام
العارضة للقلب ، وفم المعدة ، ويقوي المعدة ، ويدفع الفضول عنها ،
ويطفئ المرة الصفراء والدم .
وإذا
استخرج ماؤه بشحمه ، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل
به ، قطع الصفرة من العين ، ونقاها من الرطوبات الغليظة ، وإذا لطخ
على اللثة ، نفع من الأكلة العارضة لها ، وإن استخرج ماؤهما
بشحمهما ، أطلق البطن ، وأحدر الرطوبات العفنة المرية ، ونفع من
حميات الغب المتطاولة .
وأما
الرمان المز ، فمتوسط طبعاً وفعلاً بين النوعين ، وهذا أميل إلى
لطافة الحامض قليلاً ، وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح
الخبيثة ، وأقماعه للجراحات ، قالوا ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ
الرمان في كل سنة ، أمن من الرمد سنته كلها .
حرف
الزاي
زيت
قال
تعالى " يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد
زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار " [ النور ] . وفي الترمذي وابن
ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " كلوا الزيت وادهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة " .
وللبيهقي وابن ماجه أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ائتدموا بالزيت ، وادهنوا به ،
فإنه من شجرة مباركة " .
الزيت
حار رطب في الأولى ، وغلط من قال يابس ، والزيت بحسب زيتونه ،
فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده ، ومن الفج فيه برودة ويبوسة ،
ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ، ومن الأسود يسخن ويرطب
باعتدال ، وينفع من السموم ، ويطلق البطن ، ويخرج الدود ، والعتيق
منه أشد تسخيناً وتحليلاً ، وما استخرج منه بالماء ، فهو أقل حرارة
، وألطف وأبلغ في النفع ، وجميع أصنافه ملينة للبشرة ، وتبطئ الشيب
.
وماء
الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار ، ويشد اللثة ، وورقه ينفع
من الحمرة ، والنملة ، والقروح الوسخة ، والشرى ، ويمنع العرق ،
ومنافعه أضعاف ما ذكرنا .
زبد
روى
أبو داود في سننه ، عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهما قالا
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدمنا له زبداً وتمراً
، وكان يحب الزبد والتمر .
الزبد
حار رطب ، فيه منافع كثيرة ، منها الإنضاج والتحليل ، ويبرئ
الأورام التي تكون إلى جانب الأذنين والحالبين ، وأورام الفم ،
وسائر الأورام التي تعرض في أبدان النساء والصبيان إذا استعمل وحده
، وإذا لعق منه ، نفع في نفث الدم الذي يكون من الرئة ، وأنضج
الأورام العارضة فيها .
وهو
ملين للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء
والبلغم ، نافع من اليبس العارض في البدن ، واذا طلي به على منابت
أسنان الطفل ، كان معيناً على نباتها وطلوعها ، وهو نافع من السعال
العارض من البرد واليبس ، ويذهب القوباء والخشونة التي في البدن ،
ويلين الطبيعة ، ولكنه يضعف شهوة الطعام ، ويذهب بوخامته الحلو ،
كالعسل والتمر ، وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين التمر وبينه من
الحكمة إصلاح كل منهما بالآخر .
زبيب
روي فيه حديثان لا يصحان . أحدهما " نعم الطعام الزبيب يطيب
النكهة ، ويذيب البلغم " . والثاني " نعم الطعام الزبيب يذهب
النصب ، ويشد العصب ، ويطفئ الغضب ، ويصفي اللون ، ويطيب النكهة "
وهذا أيضاً لا يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد
فأجود الزبيب ما كبر جسمه ، وسمن شحمه ولحمه ، ورق قشره ، ونزع
عجمه ، وصغر حبه .
وجرم
الزبيب حار رطب في الأولى ، وحبه بارد يابس ، وهو كالعنب المتخذ
منه ، الحلو منه الحار ، والحامض قابض بارد ، والأبيض أشد قبضاً
من غيره ، واذا أكل لحمه ، وافق قصبة الرئة ، ونفع من السعال ،
ووجع الكلى ، والمثانة ، ويقوي المعدة ، ويلين البطن .
والحلو
اللحم أكثر غذاء من العنب ، وأقل غذاء من التين اليابس ، وله قوة
منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال ، وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد
والطحال ، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة ،
وأعدله أن يؤكل بغير عجمه .
وهو
يغذي غذاء صالحاً ، ولا يسدد كما يفعل التمر ، وإذا أكل منه بعجمه
كان أكثر نفعاً للمعدة والكبد والطحال ، وإذا لصق لحمه على
الأظافير المتحركة .
أسرع
قلعها ، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم ،
وهو يخصب الكبد ، وينفعها بخاصيه .
وفيه
نفع للحفظ قال الزهري من أحب أن يحفظ الحديث ، فليأكل الزبيب ،
وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس عجمه داء ، ولحمه دواء
.
زنجبيل
قال
تعالى " ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا " [ الإنسان ] .
وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي من حديث أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
جرة زنجبيل ، فأطعم كل إنسان قطعة ، وأطعمني قطعة .
الزنجبيل حار في الثانية ، رطب في الأولى ، مسخن معين على هضم
الطعام ، ملين للبطن تلييناً معتدلاً ، نافع من سدد الكبد العارضة
عن البرد والرطوبة ، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة أكلاً
واكتحالاً ، معين على الجماع ، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في
الأمعاء والمعدة .
وبالجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج ، وإذا أخذ منه
مع السكر وزن درهمين بالماء الحار ، أسهل فضولاً لزجة لعابية، ويقع
في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه .
والمزي
منه حار يابس يهيج الجماع ، ويزيد في المني ، ويسخن المعدة والكبد
، ويعين على الإستمراء ، وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في
الحفظ ، ويوافق برد الكبد والمعدة ، ويزيل بلتها الحادثة عن أكل
الفاكهة ، ويطيب النكهة ، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة .
حرف
السين
سنا
قد
تقدم ، وتقدم سنوت أيضاً ، وفيه سبعة أقوال ، أحدها أنه العسل .
الثاني
أنه رب عكة السمن يخرج خططاً سوداء على السمن . الثالث أنه حب
يشبه الكمون ، وليس بكمون . الرابع الكمون الكرماني . الخامس أنه
الشبت ، السادس أنه التمر . السابع أنه الرازيانج .
سفرجل
روى
ابن ماجه في سننه من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي ، عن نقيب بن
حاجب ، عن أبي سعيد ، عن عبد الملك الزبيري ، عن طلحة بن عبيد الله
رضي الله عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة
، فقال " دونكها يا طلحة ، فإنها تجم الفؤاد " .
ورواه
النسائي من طريق آخر ، وقال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في
جماعة من أصحابه ، وبيده سفرجلة يقلبها ، فلما جلست إليه ، دحا بها
إلي ثم قال " دونكها أبا ذر ، فإنها تشد القلب ، وتطيب النفس ،
وتذهب بطخاء الصدر " .
وقد
روي في السفرجل أحاديث أخر ، هذا أمثلها ، ولا تصح .
والسفرجل بارد يابس ، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه ، وكله بارد قابض
، جيد للمعدة ، والحلو منه أقل برودة ويبساً ، وأميل إلى الإعتدال
، والحامض أشد قبضاً ويبساً وبرودة ، وكله يسكن العطس والقئ ، ويدر
البول ، ويعقل الطبع ، وينفع من قرحة الأمعاء ، ونفث الدم ،
والهيضة ، وينفع من الغثيان ، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل
بعد الطعام ، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها .
وهو
قبل الطعام يقبض ، وبعده يلين الطبع ، ويسرع بانحدار الثفل ،
والإكثار منه مضر بالعصب ، مولد للقولنج ، ويطفئ المرة الصفراء
المتولدة في المعدة .
وإن
شوي كان أقل لخشونته ، وأخف ، وإذا قور وسطه ، ونزع حبه ، وجعل فيه
العسل ، وطين جرمه بالعجين ، وأودع الرماد الحار ، نفع نفعاً حسناً
.
وأجود
ما أكل مشوياً أو مطبوخاً بالعسل ، وحبه ينفع من خشونة الحلق ،
وقصبة الرئة ، وكثير من الأمراض ، ودهنه يمنع العرق ، ويقوي المعدة
، والمربى منه يقوي المعدة والكبد ، ويشد القلب ، ويطيب النفس .
ومعنى
تجم الفؤاد تريحه . وقيل تفتحه وتوسعه ، من جمام الماء ، وهو
اتساعه وكثرته ، والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء. قال أبو عبيد
الطخاء ثقل وغشي ، تقول ما في السماء طخاء ، أي سحاب وظلمة .
سواك
في
الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم " لو لا أن أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " .
وفيهما
أنه صلى الله عليه وسلم ، كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك
.
وفي
صحيح البخاري تعليقاً عنه صلى الله عليه وسلم " السواك مطهرة
للفم مرضاة للرب " .
وفي
صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته ، بدأ
بالسواك .
والأحاديث فيه كثيرة ، وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك
عبد الرحمن بن أبي بكر ، وصح عنه أنه قال " أكثرت عليكم في السواك
" .
وأصلح
ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة
مجهولة ، فربما كانت سماً ، وينبغي القصد في استعماله ، فإن بالغ
فيه ، فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها ، وهيأها لقبول الأبخرة
المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل باعتدال ، جلا الأسنان
، وقوى العمود ، وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ، ونقى
الدماغ وشهى الطعام .
وأجود
ما استعمل مبلولاً بماء الورد ، ومن أنفعه أصول الجوز ، قال صاحب
التيسير زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام ، نقى
الرأس ، وصفى الحواس ، وأحد الذهن .
وفي
السواك عدة منافع يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلو
البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على
هضم الطعام ، ويسهل مجاري الكلام ، وينشط للقراءة ، والذكر والصلاة
، ويطرد النوم ، ويرضي الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات .
ويستحب
كل وقت ، ويتأكد عند الصلاة والوضوء ، والإنتباه من النوم ، وتغيير
رائحة الفم ، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه
، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في
الصوم أشد من طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم ، والطهور للصائم
من أفضل أعماله .
وفي
السنن عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، قال رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك ، وهو صائم وقال البخاري قال ابن
عمر يستاك أول النهار وآخره .
وأجمع
الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً ، والمضمضة أبلغ من
السواك ، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي
من جنس ما شرع التعبد به ، وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم
القيامة حثاً منه على الصوم ، لا حثاً على إبقاء الرائحة ، بل
الصائم أحوج إلى السواك من المفطر .
وأيضاً
فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم .
وأيضاً
فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .
وأيضاً
فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم
القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة ، وخلوف فمه أطيب من المسك
علامة على صيامه ، ولو أزاله بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم
القيامة ، ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك ، وهو مأمور
بإزالته في الدنيا .
وأيضاً
فإن الخلوف لا يزول بالسواك ، فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة عن
الطعام ، وإنما يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة .
وأيضاً
فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام ،
وما يكره لهم ، ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم
يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم
يشاهدونه يستاك وهو صائم مراراً كثيرة تفوت الإحصاء ، ويعلم أنهم
يقتدون به ، ولم يقل لهم يوماً من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال ،
وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، والله أعلم .
سمن
روى
محمد بن جرير الطبري بإسناده ، من حديث صهيب يرفعه " عليكم بألبان
البقر ، فإنها شفاء ، وسمنها دواء ، ولحومها داء " رواه عن أحمد بن
الحسن الترمذي ، حدثنا محمد بن موسى النسائي ، حدثنا دفاع بن دغفل
السدوسي ، عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب ، عن أبيه عن جده ، ولا
يثبت ما في هذا الإسناد .
والسمن
حار رطب في الأولى ، وفيه جلاء يسير ، ولطافة وتفشية الأورام
الحادثة من الأبدان الناعمة ، وهو أقوى من الزبد في الإنضاج
والتليين ، وذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن ،
وفي الأرنبة ، وإذا دلك به موضع الأسنان ، نبتت سريعاً ، وإذا خلط
مع عسل ولوز مر ، جلا ما في الصدر والرئة ، والكيموسات الغليظة
اللزجة ، إلا أنه ضار بالمعدة ، سيما إذا كان مزاج صاحبها بلغمياً
.
وأما
سمن البقر والمعز ، فإنه إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل
ومن لدغ الحيات والعقارب ، وفي كتاب ابن السني ، عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه قال لم يستشف الناس بشئ أفضل من السمن .
سمك
روى
الإمام أحمد بن حنبل ، وابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن
عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أحلت لنا ميتتان
ودمان السمك والجراد ، والكبد والطحال " .
أصناف
السمك كثيرة ، وأجوده ما لذ طعمه ، وطاب ريحه ، وتوسط مقداره ،
وكان رقيق القشر ، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه ، وكان في ماء عذب
حار على الحصباء ، ويغتذي بالنبات لا الأقذار ، وأصلح أماكنه ما
كان في نهر جيد الماء ، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية ، ثم
الرملية ، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها ، ولا حمأة ،
الكثيرة الإضطراب والتموج ، المكشوفة للشمس والرياح .
والسمك
البحري فاضل ، محمود ، لطيف ، والطري منه بارد رطب ، عسر الإنهضام
، يولد بلغماً كثيراً ، إلا البحري وما جرى مجراه، فانه يولد خلطاً
محموداً ، وهو يخصب البدن ، ويزيد في المني ، ويصلح الأمزجة الحارة
.
وأما
المالح ، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح ، وهو حار يابس ، وكلما
تقادم عهده ازداد حره ويبسه ، والسلور منه كثير اللزوجة ، ويسمى
الجري ، واليهود لا تأكله ، وإذا أكل طرياً ، كان مليناً للبطن ،
وإذا ملح وعتق وأكل ، صفى قصبة الرئة، وجود الصوت ، وإذا دق ووضع
من خارج ، أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له قوة
جاذبة .
وماء
ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء
العلة ، وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن ، واذا احتقن به ، أبرأ
من عرق النسا .
وأبرد
ما في السمك ما قرب من مؤخرها ، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه
وودكه . وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه
قال بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا
أبو عبيدة بن الجراح ، فأتينا الساحل ، فأصابنا جوع شديد ، حتى
أكلنا الخبط ، فألقى لنا البحر حوتاً يقال لها عنبر ، فأكلنا منه
نصف شهر ، وائتدمنا بودكه حتى ثابت أجسامنا ، فأخذ أبو جميدة ضلعاً
من أضلاعه ، وحمل رجلاً على بعيره ، ونصبه ، فمر تحته .
سلق
روى
الترمذي وأبو داود ، عن أم المنذر ، قالت " دخل علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومعه علي رضي الله عنه، ولنا دوال معلقة ، قالت
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي معه يأكل ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم مه يا علي فإنك ناقه ، قالت فجعلت
لهم سلقاً وشعيراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا علي فأصب
من هذا ، فإنه أوفق لك " . قال الترمذي حديث حسن غريب .
السلق
حار يابس في الأولى ، وقيل رطب فيها ، وقيل مركب منهما ، وفيه
برودة ملطفة ، وتحليل . وتفتيح ، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء
الثعلب ، والكلف ، والحزاز ، والثآليل إذا طلي بمائه ، ويقتل القمل
، ويطلى به القوباء مع العسل ، ويفتح سدد الكبد والطحال ، وأسوده
يعقل البطن ، ولا سيما مع العدس ، وهما رديئان . والأبيض يلين مع
العدس ، ويحقن بمائه للإسهال ، وينفع من القولنج مع المري والتوابل
، وهو قليل الغذاء ، رديء الكيموس ، يحرق الدم ، ويصلحه الخل
والخردل ، والإكثار منه يولد القبض والنفخ .
حرف
الشين
شونيز
هو
الحبة السوداء ، وقد تقدم في حرف الحاء .
شبرم
روى الترمذي ، وابن ماجه في سننهما من حديث أسماء بن عميس ،
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"
بماذا كنت تستمشين ؟ قالت بالشبرم . قال حار جار " .
الشبرم
شجر صغير وكبير ، كقامة الرجل وأرجح ، له قضبان حمر ملمعة ببياض ،
وفي رؤوس قضبانه جمة من ورق ، وله نور صغار أصفر إلى البياض ، يسقط
ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير مثل البطم ، قي قدره ، أحمر اللون
، ولها عروق عليها قشور حمر ، والمستعمل منه قشر عروقه ، ولبن
قضبانه .
وهو
حار يابس في الدرجة الرابعة ، ويسهل السوداء ، والكيموسات الغليظة
، والماء الأصفر ، والبلغم ، مكرب ، مغث ، والإكثار منه يقتل ،
وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يوماً وليلة ، ويغير
عليها اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثاً ، ويخرج ، ويجفف في الظل ،
ويخلط معه الورود والكثيراء ، ويشرب بماء العسل ، أو عصير العنب ،
والشربة منه ما بين أربع دوانق على
حسب
القوة ، قال حنين أما لبن الشبرم ، فلا خير فيه ، ولا أرى شربه
البتة ، فقد قتل به أطباء الطرقات كثيراً من الناس .
روى
ابن ماجه من حديث عائشة ، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أخذ أحداً من أهله الوعك ، أمر بالحساء من الشعير ، فصنع ، ثم
أمرهم فحسوا منه ، ثم يقول " إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو فؤاد
السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " . ومعنى يرتوه
يشده ويقويه . ويسرو ، يكشف ، ويزيل .
وقد
تقدم أن هذا هو ماء الشعير المغلي ، وهو أكثر غذاء من سويقه ، وهو
نافع للسعال ، وخشونة الحلق ، صالح لقمع حدة الفضول ، مدر للبول ،
جلاء لما في المعدة ، قاطع للعطس ، مطفئ للحرارة ، وفيه قوة يجلو
بها ويلطف ويحلل .
وصفته
أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ، ومن الماء الصافي العذب
خمسة أمثاله ، ويلقى في قدر نظيف ، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى
منه خمساه ، ويصفى ، ويستعمل منه مقدار الحاجة محلاً .
شواء
قال
الله تعالى في ضيافة خليله إبراهيم عليه السلام لأضيافه " فما لبث
أن جاء بعجل حنيذ " [ هود ] والحنيذ المشوي على الرضف ، وهي
الحجارة المحماة .
وفي
الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها ، أنها قربت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم جنباً مشوياً ، فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم
يتوضأ. قال الترمذي حديث صحيح .
وفيه
أيضاً عن عبد الله بن الحارث قال أكلنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم شواء في المسجد . وفيه أيضاً عن المغيرة بن شعبة قال
ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأمر بجنب ، فشوي
، ثم أخذ الشفرة ، فجعل يحز لي بها منه ، قال فجاء بلال يؤذن
للصلاة ، فألقى الشفرة فقال " ما له تربت يداه " .
أنفع
الشواء شواء الضأن الحولي ، ثم العجل اللطيف السمين ، وهو حار رطب
إلى اليبوسة ، كثير التوليد للسوداء ، وهو من أغذية الأقوياء
والأصحاء والمرتاضين ، والمطبوخ أنفع وأخف على المعدة ، وأرطب منه
، ومن المطجن .
وأردؤه
المشوي في الشمس ، والمشوي على الجمر خير من المشوي باللهب ، وهو
الحنيذ .
شحم
ثبت
في المسند عن أنس ، ان يهودياً أضاف رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فقدم له خبز شعير وإهالة سنخة ، والإهالة الشحم المذاب ،
والألية ، والسنخة المتغيرة .
وثبت
في الصحيح عن عبد الله بن مغفل ، قال دلي جراب من شحم يوم خيبر
، فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحداً منه شيئاً فالتفت ، فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، ولم يقل شيئاً .
أجود
الشحم ما كان من حيوان مكتمل ، وهو حار رطب ، وهو أقل رطوبة من
السمن ، ولهذا لو أذيب الشحم والسمن كان الشحم أسرع جموداً ، وهو
ينفع من خشونة الحلق ، ويرخي ويعفن ، ويدفع ضرره بالليمون المملوح
، والزنجبيل ، وشحم المعز أقبض الشحوم ، وشحم التيوس أشد تحليلاً ،
وينفع من قروح الأمعاء وشحم العنز أقوى في ذلك ، ويحتقن به للسحج
والزحير .
حرف
الصاد
صلاة
قال
الله تعالى " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على
الخاشعين " [ البقرة ] ، وقال " يا أيها الذين آمنوا استعينوا
بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " [ البقرة ] . وقال تعالى
" وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك
والعاقبة للتقوى " [ طه ] .
وفي
السنن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا حزبه أمر ، فزع
إلى الصلاة .
وقدم
تقدم ذكر الإستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع قبل استحكامها .
والصلاة مجلبة للرزق ، حافظة للصحة ، دافعة للاذى ، مطردة للأدواء
، مقوية للقلب ، مبيضة للوجه ، مفرحة للنفس ، مذهبة للكسل ، منشطة
للجوارح ، ممدة للقوى ، شارحة للصدر مغذية للروح ، منورة للقلب ،
حافظة للنعمة ، دافعة للنقمة ، جالبة للحركة ، مبعدة من الشيطان ،
مقربة من الرحمن .
وبالجملة فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب ، وقواهما ودفع
المواد الرديئة عنهما ، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو
بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل ، وعاقبته أسلم .
وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا ، ولا سيما إذا أعطيت حقها
من التكميل ظاهراً وباطناً ، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة ،
ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة ، وسر ذلك أن الصلاة صلة بالله
عز وجل ، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات
أبوابها ، وتقطع عنه من الشرور أسبابها ، وتفيض عليه مواد التوفيق
من ربه عز وجل ، والعافية والصحة ، والغنيمة والغنى ، والراحة
والنعيم ، والأفراح والمسرات ، كلها محضرة لديه ، ومسارعة إليه .
صبر
"
الصبر نصف الإيمان " ، فإنه ماهية مركبة من صبر وشكر ، كما قال بعض
السلف الإيمان نصفان نصف صبر ، ونصف شكر ، قال تعالى " إن في
ذلك لآيات لكل صبار شكور " [ إبراهيم ] والصبر من الإيمان بمنزلة
الرأس من الجسد ، وهو ثلاثة أنواع صبر على فرائض الله ، فلا
يضيعها ، وصبر عن محارمه ، فلا يرتكبها وصبر على أقضيته وأقداره ،
فلا يتسخطها ، ومن استكمل هذه المراتب الثلاث ، استكمل الصبر ،
ولذة الدنيا والآخرة ونعيمها ، والفوز والظفر فيهما ، لا يصل إليه
أحد إلا على جسر الصبر ، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط
، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير عيش أدركناه بالصبر . وإذا
تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم ، رأيتها كلها منوطة بالصبر
، وإذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه عليه ، ويدخل تحت قدرته ،
رأيته كله من عدم الصبر ، فالشجاعة والعفة ، والجود والإيثار كله
صبر ساعة .
فالصبر
طلسم على كنز العلى من حل ذا الطلسم فاز بكنزه
وأكثر
أسقام البدن والقلب ، إنما تنشأ من عدم الصبر ، فما حفظت صحة
القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر ، فهو الفاروق الأكبر ،
والترياق الأعظم ، ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله ، فإن
الله مع الصابرين ومحبته لهم ، فإن الله يحب الصابرين ، ونصره
لأهله ، فإن النصر مع الصبر ، وإنه خير لأهله ، " ولئن صبرتم لهو
خير للصابرين " [ النحل ] ، وإنه سبب الفلاح " يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " [ آل
عمران ] .
صبر
روى
أبو داود في كتاب المراسيل من حديث قيس بن رافع القيسي ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " ماذا في الأمرين من الشفاء ؟ الصبر
والثفاء " . وفي السنن لأبي داود من حديث أم سلمة ، قالت " دخل
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت
علي صبراً ، فقال ماذا يا أم سلمة ؟ فقلت إنما هو صبر يا رسول
الله ، ليس فيه طيب ، قال إنه يشب الوجه ، فلا تجعليه إلا بالليل
" ونهى عنه بالنهار .
الصبر
كثير المنافع ، لا سيما الهندي منه ، ينقي الفضول الصفراوية التي
في الدماغ وأعصاب البصر ، وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد ،
نفع من الصداع ، وينفع من قروح الأنف والفم ، ويسهل السوداء
والماليخوليا .
والصبر
الفارسي يذكي العقل ، ويمد الفؤاد ، وينقي الفضول الصفراوية
والبلغمية من المعدة إذا شرب منه ملعقتان بماء ، ويرد الشهوة
الباطلة والفاسدة ، وإذا شرب في البرد ، خيف أن يسهل دماً .
صوم
الصوم
جنة من أدواء الروح والقلب والبدن ، منافعه تفوت الإحصاء ، وله
تأثير عجيب في حفظ الصحة ، وإذابة الفضلات ، وحبس النفس عن تناول
مؤذياتها ، ولا سيما إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعاً ،
وحاجة البدن إليه طبعاً .
ثم إن
فيه من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها ، وفيه خاصية
تقتضي إيثاره ، وهي تفريحه للقلب عاجلاً وآجلاً ، وهو أنفع شئ
لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة ، وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم .
وهو يدخل في
الأدوية الروحانية والطبيعية ، وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي
مراعاته طبعاً وشرعاً ، عظم انتفاع قلبه وبدنه به ، وحبس عنه
المواد الغريبة الفاسدة التي هو مستعد لها ، وأزال المواد الرديئة
الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ، ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه
، ويعينه على قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائية ، فإن القصد
منه أمر آخر وراء ترك الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختص من
بين الأعمال بأنه لله سبحانه ، ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين
ما يؤذي قلبه وبدنه عاجلاً وآجلاً ، قال الله تعالى " يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون " [ البقرة ]، فأحد مقصودي الصيام الجنة والوقاية ، وهي
حمية عظيمة النفع ، والمقصود الآخر اجتماع القلب والهم على الله
تعالى ، وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته ، وقد تقدم الكلام في
بعض أسرار الصوم عند ذكر هديه صلى الله عليه وسلم فيه .
حرف الضاد
ضب
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس ، " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سئل عنه لما قدم إليه ، وامتنع من أكله أحرام هو ؟
فقال لا ولكن لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه . وأكل بين يديه
وعلى مائدته وهو ينظر " .
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال " لا أحله ولا أحرمه ".
وهو حار يابس ، يقوي شهوة الجماع ، وإذا دق ، ووضع على موضع الشوكة
اجتذبها .
ضفدع قال الإمام أحمد الضفدع لا يحل في الدواء ، نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن قتلها ، يريد الحديث الذي رواه في مسنده
من حديث عثمان بن عبد الرحمن رضي الله عنه ، أن طبيباً ذكر ضفدعاً
في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن قتلها .
قال صاحب القانون من أكل من دم الضفدع أو جرمه ، ورم بدنه ،
وكمد لونه ، وقذف المني حتى يموت ، ولذلك ترك الأطباء استعماله
خوفاً من ضرره ، وهي نوعان مائية وترابية ، والترابية يقتل أكلها
.
حرف الطاء
طيب
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " حبب إلي من
دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " .
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التطيب ، وتشتد عليه الرائحة الكريهة
، وتشق عليه ، والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى تتضاعف وتزيد
بالطيب ، كما تزيد بالغذاء والشراب ، والدعة والسرور ، ومعاشرة
الأحبة ، وحدوث الأمور المحبوبة ، وغيبة من تسر غيبته ، ويثقل على
الروح مشاهدته ، كالثقلاء والبغضاء ، فإن معاشرتهم توهن القوى ،
وتجلب الهم والغم ، وهي للروح بمنزلة الحمى للبدن ، وبمنزلة
الرائحة الكريهة ، ولهذا كان مما حبب الله سبحانه الصحابة بنهيهم
عن التخلق بهذا الخلق في معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لتأذيه بذلك ، فقال " إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا
مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا
يستحيي من الحق " [ الأحزاب ] .
والمقصود أن الطيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وله تأثير في حفظ الصحة ، ودفع كثير من الآلام ، وأسبابها
بسبب قوة الطبيعة به .
طين
ورد في أحاديث موضوعة لا يصح منها شئ مثل حديث " من أكل الطين ،
فقد أعان على قتل نفسه " ومثل حديث " يا حميراء لا تأكلي الطين
فإنه يعصم البطن ، ويصفر اللون ، ويذهب بهاء الوجه " .
وكل حديث في الطين فإنه لا يصح ، ولا أصل له عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، إلا أنه رديء مؤذ ، يسد مجاري العروق ، وهو بارد يابس
، قوي التجفيف ، ويمنع استطلاق البطن ، ويوجب نفث الدم وقروح الفم
.
طلح
قال تعالى " وطلح منضود " [ الواقعة ] ، قال أكثر المفسرين ،
هو الموز . والمنضود هو الذي قد نضد بعضه على بعض ، كالمشط . وقيل
الطلح الشجر ذو الشوك ، نضد مكان كل شوكة ثمرة ، فثمره قد نضد
بعضه إلى بعض ، فهو مثل الموز ، وهذا القول أصح ، ويكون من ذكر
الموز من السلف أراد التمثيل لا التخصيص والله أعلم .
وهو حار رطب ، أجوده النضيج الحلو ، ينفع من خشونة الصدر والرئة
والسعال ، وقروح الكليتين ، والمثانة ، ويدر البول ، ويزيد في
المني ، ويحرك الشهوة للجماع ، ويلين البطن ، ويؤكل قبل الطعام ،
ويضر المعدة ، ويزيد في الصفراء والبلغم ، ودفع ضرره بالسكر أو
العسل .
طلع
قال تعالى" والنخل باسقات لها طلع نضيد " [ ق ] وقال تعالى "
ونخل طلعها هضيم " [ الشعراء ].
طلع النخل ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره ، وقشره يسمى الكفرى ،
والنضيد المنضود الذي قد نضد بعضه على بعض ، وإنما يقال له نضيد
ما دام في كفراه ، فإذا انفتح فليس بنضيد .
وأما الهضيم فهو المنضم بعضه إلى بعض ، فهو كالنضيد أيضاً ، وذلك
يكون قبل تشقق الكفرى منه .
والطلع نوعان ذكر وأنثى ، والتلقيح هو أن يؤخذ من الذكر ، وهو مثل
دقيق الحنطة ، فيجعل في الأنثى ، وهو التأبير ، فيكون ذلك بمنزلة
اللقاح بين الذكر والأنثى ، وقد روى مسلم في صحيحه عن طلحة بن
عبيد الله رضي الله عنه ، قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في نخل ، فرأى قوماً يلقحون ، فقال " ما يصنع هؤلاء ؟ قالوا
يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى ، قال ما أظن ذلك يغني
شيئاً ، فبلغهم ، فتركوه ، فلم يصلح ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم إنما هو ظن ، فإن كان يغني شيئاً ، فاصنعوه ، فإنما أنا بشر
مثلكم ، وإن الظن يخطئ ويصيب ، ولكن ما قلت لكم عن الله عز وجل .
فلن أكذب على الله " . انتهى .
طلع النخل ينفع من الباه ، ويزيد في المباضعة ، ودقيق طلعه إذا
تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة ، وهو في
البرودة واليبوسة في الدرجة الثانية ، يقوي المعدة ويجففها ، ويسكن
ثائرة الدم مع غلظة وبطء هضم .
ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحارة ، ومن أكثر منه فإنه ينبغي أن
يأخذ عليه شيئاً من الجوارشات الحارة ، وهو يعقل الطبع ، ويقوي
الأحشاء ، والجمار يجري مجراه ، وكذلك البلح ، والبسر ، والإكثار
منه يضر بالمعدة والصدر ، وربما أورث القولنج ، وإصلاحه بالسمن ،
أو بما تقدم ذكره .
حرف العين
عنب
في الغيلانيات من حديث حبيب بن يسار ، ع"ن ابن عباس رضي الله
عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطاً ".
قال أبو جعفر العقيلي لا أصل لهذا الحديث ، قلت وفيه داود ابن
عبد الجبار أبو سليم الكوفي ، قال يحيى بن معين كان يكذب .
ويذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب العنب والبطيخ
.
وقد ذكر الله سبحانه العنب في ستة مواضع من كتابه في جملة نعمه
التي أنعم بها على عباده في هذه الدار وفي الجنة ، وهو من أفضل
الفواكه وأكثرها منافع ، وهو يؤكل رطباً ويابساً ، وأخضر ويانعاً ،
وهو فاكهة مع الفواكه ، وقوت مع الأقوات ، وأدم مع الإدام ، ودواء
مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ، وطبعه طبع الحبات الحرارة
والرطوبة ، وجيده الكبار المائي ، والأبيض أحمد من الأسود إذا
تساويا في الحلاوة ، والمتروك بعد قطفه يومين أو ثلاثة أحمد من
المقطوف في يومه ، فإنه منفخ مطلق للبطن ، والمعلق حتى يضمر قشره
جيد للغذاء ، مقو للبدن ، وغذاؤه كغذاء التين والزبيب ، وإذا ألقي
عجم العنب كان أكثر تلييناً للطبيعة ، والإكثار منه مصدع للرأس ،
ودفع مضرته بالرمان المز .
ومنفعة العنب يسهل الطبع ، ويسمن ، ويغذو جيده غذاء حسناً ، وهو
أحد الفواكه الثلاث التي هي ملوك الفواكه ، هو والرطب والتين .
عسل
قد تقدم ذكر منافعه . قال ابن جريج قال الزهري عليك بالعسل ،
فإنه جيد للحفظ ، وأجوده أصفاه وأبيضه ، وألينه حدة ، وأصدقه حلاوة
، وما يؤخذ من الجبال والشجر له فضل على ما يؤخذ من الخلايا ، وهو
بحسب مرعى نحله .
عجوة
في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره
ذلك اليوم سم ولا سحر " .
وفي سنن النسائي وابن ماجه من حديث جابر ، وأبي سعيد رضي الله
عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " العجوة من الجنة ، وهي
شفاء من السم ، والكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين " .
وقد قيل إن هذا في عجوة المدينة ، وفي أحد أصناف التمر بها ، ومن
أنفع تمر الحجاز على الإطلاق ، وهو صنف كريم ، ملذذ ، متين للجسم
والقوة ، من ألين التمر وأطيبه وألذه ، وقد تقدم ذكر التمر وطبعه
ومنافعه في حرف التاء ، والكلام على دفع العجوة للسم والسحر ، فلا
حاجة لإعادته .
عنبر
تقدم في الصحيحين من حديث جابر ، في قصة أبي عبيدة وأكلهم من
العنبر شهراً ، وأنهم تزودوا لحمه وشائق إلى المدينة ، وأرسلوا منه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أحد ما يدل على أن إباحة ما في
البحر لا يختص بالسمك ، وعلى أن ميتته حلال ، واعترض على ذلك بأن
البحر ألقاه حياً ، ثم جزر عنه الماء ، فمات ، وهذا حلال ، فإن
موته بسبب مفارقته للماء، وهذا لا يصح ، فإنهم إنما وجدوه ميتاً
بالساحل ، ولم يشاهدوه قد خرج عنه حياً ، ثم جزر عنه الماء .
وأيضاً فلو كان حياً لما ألقاه البحر إلى ساحله ، فإنه من المعلوم
أن البحر إنما يقذف إلى ساحله الميت من حيواناته لا الحي منها .
وأيضاً فلو قدر احتمال ما ذكروه لم يجز أن يكون شرطاً في الإباحة
، فإنه لا يباح الشئ مع الشك في سبب إباحته ، ولهذا منع النبي صلى
الله عليه وسلم من أكل الصيد إذا وجده الصائد غريقاً في الماء للشك
في سبب موته ، هل هو الآلة أم الماء ؟ .
وأما العنبر الذي هو أحد أنواع الطيب ، فهو من أفخر أنواعه بعد
المسك ، وأخطأ من قدمه على المسك ، وجعله سيد أنواع الطيب ، وقد
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسك " هو أطيب
الطيب " ، وسيأتي إن شاء إلله تعالى ذكر الخصائص والمنافع التي خص
بها المسك ، حتى إنه طيب الجنة ، والكثبان التي هي مقاعد الصديقين
هناك من مسك لا من عنبر .
والذي غير هذا القائل أنه لا يدخله التغير على طول الزمان ، فهو
كالذهب ، وهذا يدل على أنه أفضل من المسك ، فإنه بهذه الخاصية
الواحدة لا يقاوم ما في المسك من الخواص .
وبعد فضروبه كثيرة ، وألوانه مختلفة ، فمنه الأبيض ، والأشهب ،
والأحمر ، والأصفر ، والأخضر ، والأزرق ، والأسود ، وذو الألوان
وأجوده الأشهب ، ثم الأزرق ، ثم الأصفر ، وأردؤه الأسود . وقد
اختلف الناس في عنصره ، فقالت طائفة هو نبات ينبت في قعر البحر ،
فيبتلعه بعض دوابه ، فإذا ثملت منه قذفته رجيعاً ، فيقذفه البحر
إلى ساحله . وقيل طل ينزل من السماء في جزائر البحر ، فتلقيه
الأمواج إلى الساحل ، وقيل روث دابة بحرية تشبه البقرة . وقيل بل
هو جفاء من جفاء البحر ، أي زبد .
وقال صاحب القانون هو فيما يظن ينبع من عين في البحر ، والذي
يقال إنه زبد البحر ، أو روث دابة بعيد انتهى .
ومزاجه حار يابس ، مقو للقلب ، والدماغ ، والحواس ، وأعضاء البدن ،
نافع من الفالج واللقوة ، والأمراض البلغمية ، وأوجاع المعدة
الباردة ، والرياح الغليظة ، ومن السدد إذا شرب ، أو طلي به من
خارج ، وإذا تبخر به ، نفع من الزكام والصداع ، والشقيقة الباردة .
عود
العود الهندي نوعان ، أحدهما يستعمل في الأدوية وهو الكست ،
ويقال له القسط ، وسيأتي في حرف القاف . الثاني يستعمل في الطيب
، ويقال له الألوة . وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي
الله عنهما ، أنه كان يستجمر بالألوة غير مطراة ، وبكافور يطرح
معها ، ويقول هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجنة " مجامرهم الألوة " والمجامر جمع
مجمر وهو ما يتجمر به من عود وغيره ، وهو أنواع أجودها الهندي ،
ثم الصيني ، ثم القماري ، ثم المندلي ، وأجوده الأسود والأزرق
الصلب الرزين الدسم ، وأقله جودة ما خف وطفا على الماء ، ويقال
إنه شجر يقطع ويدفن في الأرض سنة ، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع ،
ويبقى عود الطيب ، لا تعمل فيه الأرض شيئاً ، ويتعفن منه قشره وما
لا طيب فيه .
وهو حار يابس في الثالثة ، يفتح السدد ، ويكسر الرياح ، ويذهب بفضل
الرطوبة ، ويقوي الأحشاء والقلب ويفرحه ، وينفع الدماغ، ويقوي
الحواس ، ويحبس البطن ، وينفع من سلس البول الحادث عن برد المثانة
.
قال ابن سمجون العود ضروب كثيرة يجمعها اسم الألوة ، ويستعمل من
داخل وخارج ، ويتجمر به مفرداً ومع غيره ، وفي الخلط للكافور به
عند التجمير معنى طبي ، وهو إصلاح كل منهما بالآخر ، وفي التجمر
مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه ، فإنه أحد الأشياء الستة الضرورية
التى في صلاحها صلاح الأبدان .
عدس
قد ورد في أحاديث كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
لم يقل شيئاً منها ، كحديث " إنه قدس على لسان سبعين نبياً "
وحديث " إنه يرق القلب ، ويغزر الدمعة ، وإنه مأكول الصالحين " ،
وأرفع شئ جاء فيه ، وأصحه أنه شهوة اليهود التي قدموها على المن
والسلوى ، وهو قرين الثوم والبصل في الذكر .
وطبعه طبع المؤنث ، بارد يابس ، وفيه قوتان متضادتان . إحداهما
يعقل الطبيعة . والأخرى يطلق ، وقشره حار يابس في الثالثة ، حريف
مطلق للبطن ، وترياقه في قشره ، ولهذا كان صحاحه أنفع من مطحونه ،
وأخف على المعدة ، وأقل ضرراً ، فإن لبه بطيء الهضم لبرودته
ويبوسته ، وهو مولد للسوداء ، ويضر بالماليخوليا ضرراً بيناً ،
ويضر بالأعصاب والبصر .
وهو غليظ الدم ، وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء ، وإكثارهم منه
يولد لهم أدواء رديئة ، كالوسواس والجذام ، وحمى الربع ، ويقلل
ضرره السلق والإسفاناخ ، واكثار الدهن . وأردأ ما أكل بالنمكسود
وليتجنب خلط الحلاوة به ، فإنه يورث سدداً كبدية ، وإدمانه يظلم
البصر لشدة تجفيفه ، ويعسر البول ، ويوجب الأورام الباردة ،
والرياح الغليظة . وأجوده الأبيض السمين ، السريع النضج .
وأما ما يظنه الجهال أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه ،
فكذب مفترى ، وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشواء ، وهو العجل
الحنيذ .
وذكر البيهقي ، عن إسحاق قال سئل ابن المبارك عن الحديث الذي جاء
في العدس ، أنه قدس على لسان سبعين نبياً ، فقال ولا على لسان نبي
واحد ، وإنه لمؤذ منفخ ، من حدثكم به ؟ قالوا سلم بن سالم ، فقال
عمن ؟ قالوا عنك . قال وعني أيضاً !!؟ .
حرف الغين
غيث
مذكور في القرآن في عدة مواضع ، وهو لذيذ الإسم على السمع ،
والمسمى على الروح والبدن ، تبتهج الأسماع بذكره ، والقلوب بوروده
، وماؤه أفضل المياه ، وألطفها وأنفعها وأعظمها بركة ، ولا سيما
إذا كان من سحاب راعد ، واجتمع في مستنقعات الجبال ، وهو أرطب من
سائر المياه ، لأنه لم تطل مدته على الأرض ، فيكتسب من يبوستها ،
ولم يخالطه جوهر يابس ، ولذلك يتغير ويتعفن سريعاً للطافته وسرعة
انفعاله ، وهل الغيث الربيعي ألطف من الشتوي أو بالعكس ؟ فيه قولان
.
قال من رجح الغيث الشتوي حرارة الشمس تكون حينئذ أقل فلا تجتذب من
ماء البحر إلا ألطفه ، والجو صاف وهو خال من الأبخرة الدخانية ،
الغبار المخالط للماء ، وكل هذا يوجب لطفه وصفاءه ، وخلوه من مخالط
.
قال من رجح الربيعي الحرارة توجب تحلل الأبخرة الغليظة ، وتوجب
رقة الهواء ولطافته ، فيخف بذلك الماء ، وتقل أجزاؤه الأرضية ،
وتصادف وقت حياة النبات والأشجار وطيب الهواء .
وذكر الشافعي رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنهما ، قال كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصابنا مطر ، فحسر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثوبه ، وقال " إنه حديث عهد بربه " ، وقد تقدم
في هديه في الإستسقاء ذكر استمطاره صلى الله عليه وسلم ، وتبركه
بماء الغيث عند أول مجيئه .
حرف الفاء
فاتحة الكتاب
وأم القرآن ، والسبع المثاني ، والشفاء التام ، والدواء النافع
والرقية التامة ، ومفتاح الغنى والفلاح ، وحافظة القوة ، ودافعة
الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها ، وأحسن
تنزيلها على دائه ، وعرف وجه الإستشفاء والتداوي بها ، والسر الذي
لأجله كانت كذلك .
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك ، رقى بها اللديغ ، فبرأ لوقته ،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " وما أدراك أنها رقية".
ومن ساعده التوفيق ، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه
السورة ، وما اشتملت عليه من التوحيد ، ومعرفة الذات والأسماء
والصفات والأفعال ، وإثبات الشرع والقدر والمعاد ، وتجريد توحيد
الربوبية والإلهية ، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله ،
وله الحمد كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله ،
والإفتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم
ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ، ودفع مفاسدهما ، وأن العاقبة
المطلقة التامة ، والنعمة الكاملة منوطة بها ، موقوفة على التحقق
بها ، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى ، واستفتح بها من الخير
أبوابه ، ودفع بها من الشر أسبابه .
وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى ، وعقل آخر ، وإيمان آخر ،
وتالله لا تجد مقالة فاسدة ، ولا بدعة باطلة إلا وفاتحة الكتاب
متضمنة لردها وإبطالها بأقرب الطرق ، وأصحها وأوضحها ، ولا تجد
باباً من أبواب المعارف الإلهية ، وأعمال القلوب وأدويتها من عللها
وأسقامها إلا وفي فاتحة الكتاب مفتاحه ، وموضع الدلالة عليه ، ولا
منزلاً من منازل السائرين إلى رب العالمين إلا وبدايته
ونهايته فيها .
ولعمر الله إن شأنها لأعظم من ذلك ، وهي فوق ذلك . وما تحقق عبد
بها ، واعتصم بها ، وعقل عمن تكلم بها ، وأنزلها شفاء تاماً ،
وعصمة بالغة ، ونوراً مبيناً ، وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغى ووقع
في بدعة ولا شرك ، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا لماماً ، غير
مستقر .
هذا ، وإنما المفتاح الأعظم لكنوز الأرض ، كما أنها المفتاح لكنوز
الجنة ، ولكن ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح ، ولو أن طلاب
الكنوز وقفوا على سر هذه السورة ، وتحققوا بمعانيها ، وركبوا لهذا
المفتاح أسناناً ، وأحسنوا الفتح به ، لوصلوا إلى تناول الكنوز من
غير معاوق ، ولا ممانع .
ولم نقل هذا مجازفة ولا استعارة ، بل حقيقة ، ولكن لله تعالى حكمة
بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين ، كما له حكمة
بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم ، والكنوز المحجوبة قد استخدم
عليها أرواح خبيثة شيطانية تحول بين الإنس وبينها ، ولا تقهرها إلا
أرواح علوية شريفة غالبة لها بحالها الإيماني ، معها أسلحة لا تقوم
لها الشياطين ، وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة ، فلا تقاوم
تلك الأرواح ولا يقهرها ، ولا ينال من سلبها شيئاً ، فإن من قتل
قتيلاً فله سلبه .
فاغية
هي نور الحناء ، وهي من أطيب الرياحين ، وقد روى البيهقي في
كتابه شعب الإيمان من حديث عبد الله بن بريدة ، عن أبيه رضي الله
عنه يرفعه " سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية " وروى فيه
أيضاً ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال " كان أحب الرياحين إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاغية " . والله أعلم بحال هذين
الحديثين ، فلا نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا نعلم
صحته .
وهي معتدلة في الحر واليبس ، فيها بعض القبض ، وإذا وضعت بين طي
ثياب الصوف حفظها من السوس ، وتدخل في مراهم الفالج والتصدد ،
ودهنها يحلل الأعضاء ، ويلين العصب .
فضة
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة ، وفصه منه
، وكانت قبيعة سيفه فضة ، ولم يصح عنه في المنع من لباس الفضة
والتحلي بها شئ البتة ، كما صح عنه المنع من الشرب في آنيتها ،
وباب الآنية أضيق من باب اللباس والتحلي ، ولهذا تباح للنساء
لباساً ، وحلية ما يحرم عليهن استعمال آنية ، فلا يلزم من تحريم
الآنية تحريم اللباس والحلية .
وفي السنن عنه " وأما الفضة فالعبوا بها لعباً " . فالمنع يحتاج
إلى دليل يبينه ، إما نص أو إجماع ، فإن ثبت أحدهما ، وإلا ففي
القلب من تحريم ذلك على الرجال شئ ، والنبي صلى صلى الله عليه وسلم
أمسك بيده ذهباً ، وبالأخرى حريراً ، وقال " هذان حرام على ذكور
أمتي ، حل لإناثهم " .
والفضة سر من أسرار الله في الأرض ، وطلسم الحاجات ، وإحسان أهل
الدنيا بينهم ، وصاحبها مرموق بالعيون بينهم ، معظم في النفوس ،
مصدر في المجالس ، لا تغلق دونه الأبواب ، ولا تمل مجالسته ، ولا
معاشرته ، ولا يستثقل مكانه ، تشير الأصابع إليه ، وتعقد العيون
نطاقها عليه ، إن قال ، سمع قوله ، وإن شفع ، قبلت شفاعته ، وإن
شهد، زكيت شهادته ، وإن خطب فكفء لا يعاب ، وإن كان ذا شيبة بيضاء
، فهي أجمل عليه من حلية الشباب .
وهي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن ، وضعف القلب
وخفقانه ، وتدخل في المعاجين الكبار ، وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في
القلب من الأخلاط الفاسدة ، خصوصاً إذا أضيفت إلى العسل المصفى ،
والزعفران .
ومزاجها إلى اليبوسة والبرودة ، ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة
ما يتولد ، والجنان التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم يلقونه
أربع جنتان من ذهب ، وجنتان من فضة ، آنيتهما وحليتهما وما فيهما
. وقد ثبت عنه في الصحيح من حديث أم سلمة أنه قال " الذي يشرب
في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تشربوا في آنية الذهب
والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في
الآخرة " .
فقيل علة التحريم تضييق النقود ، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت
الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم ، وقيل العلة
الفخر والخيلاء . وقيل العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا
رأوها وعاينوها .
وهذه العلل فيها ما فيها ، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من
التحلي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد ، والفخر
والخيلاء حرام بأي شئ كان ، وكسر قلوب المساكين لا ضابط له ، فإن
قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة ، والمراكب الفارهة
، والملابس الفاخرة ، والأطعمة اللذيذة ، وغير ذلك من المباحات ،
وكل هذه علل منتقضة ، إذ توجد العلة ، ويتخلف معلولها .
فالصواب أن العلة - والله أعلم - ما يكسب استعمالها القلب من
الهيئة ، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة ، ولهذا علل
النبي صلى الله عليه وسلم بأنها للكفار في الدنيا ، إذ ليس لهم
نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها ، فلا يصلح
استعمالها لعبيد الله في الدنيا ، وإنما يستعملها من خرج عن
عبوديته ، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة .
حرف القاف
قرآن
قال الله تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " [
الإسراء ] ، والصحيح أن من ها هنا ، لبيان الجنس لا للتبعيض ،
وقال تعالى " يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في
الصدور " [ يونس ] .
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ،
وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للإستشفاء به ،
وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول
تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الداء أبداً .
وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال
، لصدعها ، أو على الأرض ، لقطعها ، فما من مرض من أمراض القلوب
والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه ، والحمية
منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه ، وقد تقدم في أول الكلام على
الطب بيان إرشاد القرآن العظيم إلى أصوله ومجامعه التي هي حفظ
الصحة والحمية ، واستفراغ المؤذي، والإستدلال بذلك على سائر أفراد
هذه الأنواع .
وأما الأدوية القلبية ، فإنه يذكرها مفصلة ، ويذكر أسباب أدوائها
وعلاجها . قال " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم "
[ العنكبوت ] ، فمن لم يشفه القرآن ، فلا شفاه الله ، ومن لم
يكفه ، فلا كفاه الله .
قثاء
في السنن من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل القثاء بالرطب ، ورواه الترمذي
وغيره .
القثاء بارد رطب في الدرجة الثانية ، مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة
، بطيء الفساد فيها ، نافع من وجع المثانة ، ورائحته تنفع من الغشي
، وبزره يدر البول ، وورقه إذا اتخذ ضماداً ، نفع من عضة الكلب ،
وهو بطيء الإنحدار عن المعدة ، وبرده مضر ببعضها ، فينبغي أن
يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برودته ورطوبته ، كما فعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذ أكله بالرطب ، فإذا أكل بتمر أو زبيب أو عسل
عدله .
قسط وكست بمعنى واحد . وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه
، عن النبي صلى الله عليه وسلم " خير ما تداويتم به الحجامة والقسط
البحري " .
وفي المسند من حديث أم قيس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم "
عليكم بهذا العود الهندي ، فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب " .
القسط
نوعان إحداهما الأبيض الذي يقال له البحري . والآخر الهندي ، وهو
أشدهما حراً ، والأبيض ألينهما ، ومنافعهما كثيرة جداً .
وهما حاران يابسان في الثالثة ، ينشفان البلغم ، قاطعان للزكام ،
وإذا شربا ، نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ، ومن حمى الدور
والربع ، وقطعا وجع الجنب ، ونفعا من السموم ، وإذا طلي به الوجه
معجوناً بالماء والعسل ، قلع الكلف ، وقال جالينوس ينفع من الكزاز
، ووجع الجبين ، ويقتل حب القرع .
وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب ، فأنكروه ولو ظفر
هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزله منزلة النص ، كيف وقد نص
كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات
الجنب ، ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم . وقد تقدم أن طب الأطباء
بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب
الأطباء،وأن بين ما يلقى بالوحي، وبين ما يلقى بالتجربة ، والقياس
من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق .
ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى
والمشركين من الأطباء ، لتلقوه بالقبول والتسليم ، ولم يتوقفوا على
تجربته .
نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيراً في الإنتفاع بالدواء وعدمه ،
فمن اعتاد دواء وغذاء ، كان أنفع له ، وأوفق ممن لم يعتده ، بل
ربما لم ينتفع به من لم يعتده .
وكلام فضلاء الأطباء وإن كان مطلقاً ، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة ،
والأماكن والعوائد ، وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم
ومعارفهم ، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ، ولكن نفوس البشر
مركبة على الجهل والظلم ، إلا من أيده الله بروح الإيمان، ونور
بصيرته بنور الهدى .
قصب السكر
جاء في بعض ألفاظ السنة الصحيحة في الحوض " ماؤه أحلى من السكر "
، ولا أعرف السكر في الحديث إلا في هذا الموضع .
والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدمو الأطباء ، ولا كانوا يعرفونه ،
ولا يصفونه في الأشربة ، وإنما يعرفون العسل ، ويدخلونه في الأدوية
، وقصب السكر حار رطب ينفع من السعال ، ويجلو الرطوبة والمثانة ،
وقصبة الرئة ، وهو أشد تلييناً من السكر ، وفيه معونة على القئ ،
ويدر البول ، ويزيد في الباه . قال عفان بن مسلم الصفار من مص قصب
السكر بعد طعامه ، لم يزل يومه أجمع في سرور ، انتهى . وهو ينفع من
خشونة الصدر والحلق إذا شوي ، ويولد رياحاً دفعها بأن يقشر ، ويغسل
بماء حار . والسكر حار رطب على الأصح ، وقيل بارد، وأجوده الأبيض
الشفاف الطبرزد ، وعتيقه ألطف من جديده ، وإذا طبخ ونزعت رغوته ،
سكن العطش والسعال ، وهو يضر المعدة التي تتولد فيها الصفراء
لاستحالته إليها ، ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج ، أو الرمان
اللفان .
وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته ولينه ، وهذا تحامل منه
على العسل ، فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر ، وقد جعله الله
شفاء ودواء ، وإداماً وحلاوة ، وأين نفع السكر من منافع العسل من
تقوية المعدة ، وتليين الطبع ، وإحداد البصر ، وجلاء ظلمته ، ودفع
الخوانيق بالغرغرة به ، وإبرائه من الفالج واللقوة ، ومن جميع
العلل الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات ، فيجذبها من
قعر البدن ، ومن جميع البدن ، وحفظ صحته وتسمينه وتسخينه ،
والزيادة في الباه ، والتحليل والجلاء ، وفتح أفواه العروق ،
وتنقية المعى ، وإحدار الدود ، ومنع التخم وغيره من العفن ، والأدم
النافع ، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ وأهل الأمزجة
الباردة ، وبالجملة فلا شئ أنفع منه للبدن ، وفي العلاج وعجز
الأدوية ، وحفظ قواها ، وتقوية المعدة إلى أضعاف هذه المنافع ،
فأين للسكر مثل هذه المنافع والخصائص أو قريب منها ؟ .
حرف الكاف
كتاب للحمى
قال المروزي بلغ أبا عبد الله أني حممت ، فكتب لي من الحمى رقعة
فيها بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله ، وبالله ، محمد رسول
الله ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، وأرادوا به
كيداً ، فجعلنهاهم الأخسرين ، اللهم رب جبرائيل ، وميكائيل ،
وإسرافيل ، اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك ، إله الحق
آمين .
قال المروزي وقرأ على أبي عبد الله - وأنا أسمع - أبو المنذر عمرو
بن مجمع ، حدثنا يونس بن حبان ، قال سألت أبا جعفر محمد بن علي أن
أعلق التعويذ ، فقال إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبي الله
فعلقه واستشف به ما استطعت . قلت أكتب هذه من حمى الربع باسم
الله ، وبالله ، ومحمد رسول الله إلى آخره ؟ قال أي نعم .
وذكر أحمد عن عائشة رضي الله عنها وغيرها ، أنهم سهلوا في ذلك .
قال حرب ولم يشدد فيه أحمد بن حنبل ، قال أحمد وكان ابن مسعود
يكرهه كراهة شديدة جداً . وقال أحمد وقد سئل عن التمائم تعلق بعد
نزول البلاء ؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس .
قال الخلال وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال رأيت أبي يكتب التعويذ
للذي يفزع ، وللحمى بعد وقوع البلاء .
كتاب لعسر الولادة
قال الخلال حدثني عبد الله بن أحمد قال رأيت أبي يكتب للمرأة
إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض ، أو شئ نظيف ، يكتب حديث ابن
عباس رضي الله عنه لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب
العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين " كأنهم يوم يرون ما يوعدون
لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " [ الأحقاف ] ، " كأنهم يوم
يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " [ النازعات ] .
قال الخلال أنبانا أبو بكر المروزي ، أن أبا عبد الله جاءه رجل
فقال يا أبا عبد الله ! تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين
؟ فقال قل له يجيء بجام واسع ، وزعفران ، ورأيته يكتب لغير واحد
ويذكر عن عكرمة ، عن ابن عباس قال مر عيسى صلى الله على نبينا
وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها ، فقالت يا كلمة
الله ! ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه ، فقال يا خالق النفس
من النفس ، ويا مخلص النفس من النفس ، ويا مخرج النفس من النفس ،
خلصها . قال فرمت بولدها ، فإذا هي قائمة تشمه . قال فإذا عسر
على المرأة ولدها ، فاكتبه لها . وكل ما تقدم من الرقي ، فإن
كتابته نافعة .
ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه ، وجعل ذلك الشفاء
الذي جعل الله فيه .
كتاب آخر لذلك يكتب في إناء نظيف " إذا السماء انشقت * وأذنت
لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت " [ الإنشقاق
، ] ، وتشرب منه الحامل ، ويرش على بطنها .
كتاب للرعاف
كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته " وقيل يا
أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر " [ هود ]
. وسمعته يقول كتبتها لغير واحد فبرأ ، فقال ولا يجوز كتابتها
بدم الراعف ، كما يفعله الجهال ، فإن الدم نجس ، فقال يجوز أن يكتب
به كلام الله تعالى .
كتاب آخر له خرج موسى عليه السلام برداء ، فوجد شعيباً ، فشده
بردائه " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " [ الرعد ] .
كتاب آخر للحزاز
يكتب عليه " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " [ البقرة ] بحول
الله وقوته .
كتاب آخر له عند اصفرار الشمس يكتب عليه " يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا
تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم " [ الحديد ] .
كتاب آخر للحمى المثلثة يكتب على ثلاث ورقات لطاف بسم الله فرت ،
بسم الله مرت ، بسم الله قلت ، ويأخذ كل يوم ورقة ، ويجعلها في فمه
، ويبتلعها بماء .
كتاب آخر لعرق النسا
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم رب كل شئ ، ومليك كل شئ ، وخالق
كل شئ ، أنت خلقتني ، وأنت خلقت النسا ، فلا تسلطه علي بأذى ، ولا
تسلطني عليه بقطع ، واشفني شفاء لا يغادر سقماً ، لا شافي إلا أنت
.
كتاب للعرق الضارب
روى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى ، ومن الأوجاع
كلها أن يقولوا " بسم الله الكبير ، أعوذ بالله العظيم من شر كل
عرق نعار ، ومن شر حر النار " .
كتاب لوجع الضرس
يكتب على الخد الذي يلي الوجع بسم الله الرحمن الرحيم " قل هو
الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون " [
النحل ] ، وإن شاء كتب " وله ما سكن في الليل والنهار وهو
السميع العليم " [ الأنعام ] .
كتاب للخراج
يكتب عليه " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها
قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " [ طه ] .
كمأة
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الكمأة من المن
وماؤها شفاء للعين " ، أخرجاه في الصحيحين .
قال ابن الأعرابي الكمأة جمع ، واحدة كمء ، وهذا خلاف قياس
العربية ، فإن ما بينه وبين واحده التاء ، فالواحد منه التاء ،
وإذا حذفت كان للجمع . وهل هو جمع ، أو اسم جمع ؟ على قولين
مشهورين ، قالوا ولم يخرج عن هذا إلا حرفان كمأة وكمء ، وجباة
وجبء ، وقال غير ابن الأعرابي بل هي على القياس الكمأة للواحد ،
والكمء للكثير ، وقال غيرهما الكمأة تكون واحداً وجمعاً .
واحتج أصحاب القول الأول بأنهم قد جمعوا كمئاً على أكمؤ ، قال
الشاعر
ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
وهذا يدل على أن كمء مفرد ، وكمأة جمع .
والكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع ، وسميت كمأة لاستتارها ،
ومنه كمأ الشهادة إذا سترها وأخفاها ، والكمأة مخفية تحت الأرض لا
ورق لها ، ولا ساق ، ومادتها من جوهر أرضي بخاري محتقن في الأرض
نحو سطحها يحتقن ببرد الشتاء ، وتنميه أمطار الربيع ، فيتولد
ويندفع نحو سطح الأرض متجسداً ، ولذلك يقال لها جدري الأرض ،
تشبيهاً بالجدري في صورته ومادته ، لأن مادته رطوبة دموية ، فتندفع
عند سن الترعرع في الغالب ، وفي ابتداء استيلاء الحرارة ، ونماء
القوة .
وهي مما يوجد في الربيع ، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ، وتسميها العرب
نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته ، وتنفطر عنها الأرض ، وهي من أطعمة
أهل البوادي ، وتكثر بأرض العرب ، وأجودها ما كانت أرضها رملية
قليلة الماء .
وهي أصناف منها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة يحدث الإختناق .
وهي باردة رطبة في الدرجة الثالثة ، رديئة للمعدة ، بطيئة الهضم ،
وإذا أدمنت ، أورثت القولج والسكتة والفالج ، ووجع المعدة ، وعسر
البول ، والرطبة أقل ضرراً من اليابسة ، ومن أكلها فليدفنها في
الطين الرطب ، ويسلقها بالماء والملح والصعتر ، ويأكلها بالزيت
والتوابل الحارة ، لأن جوهرها أرضي غليظ ، وغذاؤها رديء ، لكن فيها
جوهر مائي لطيف يدل على خفتها ، والإكتحال بها نافع من ظلمة البصر
والرمد الحار ، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأن ماءها يجلو العين ،
وممن ذكره المسيحي ، وصاحب القانون وغيرهما .
وقوله صلى الله عليه وسلم " الكمأة من المن " فيه قولان
أحدهما أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط ،
بل أشياء كثيرة من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفواً من
غير صنعة ولا علاج ولا حرث ، فإن المن مصدر بمعنى المفعول ، أي
ممنون به ، فكل ما رزقه الله العبد عفواً بغير كسب منه ولا علاج ،
فهو من محض ، وإن كانت سائر نعمه مناً منه على عبده ، فخص منها ما
لا كسب له فيه ، ولا صنع باسم المن ، فإنه من بلا واسطة العبد ،
وجعل سبحانه قوتهم بالتيه الكمأة ، وهي تقوم مقام الخبز ، وجعل
أدمهم السلوى ، وهو يقوم مقام اللحم ، وجعل حلواهم الطل الذي ينزل
على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى ، فكمل عيشهم .
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم " الكمأة من المن الذي أنزله الله
على بني إسرائيل " فجعلها من جملته ، وفرداً من أفراده ،
والترنجبين الذي يسقط على الأشجار نوع من المن ، ثم غلب استعمال
المن عليه عرفاً حادثاً .
والقول الثاني أنه شبه الكمأة بالمن المنزل من السماء ، لأنه يجمع
من غير تعب ولا كلفة ولا زرع بزر ولا سقي .
فإن قلت فإن كان هذا شأن الكمأة ، فما بال هذا الضرر فيها ، ومن
أين أتاها ذلك ؟ فاعلم أن الله سبحانه أتقن كل شئ صنعه ، وأحسن كل
شئ خلقه ، فهو عند مبدإ خلقه بريء من الآفات والعلل ، تام المنفعة
لما هيئ وخلق له ، وإنما تعرض له الآفات بعد ذلك بأمور أخر من
مجاورة ، أو امتزاج واختلاط ، أو أسباب أخر تقتضي فساده ، فلو ترك
على خلقته الأصلية من غير تعلق أسباب الفساد به ، لم يفسد .
ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه
ونباته وحيوانه ، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه ،
ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام
والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام ، والطواعين
والقحوط ، والجدوب ، وسلب بركات الأرض ، وثمارها ، ونباتها ، وسلب
منافعها ، أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضها بعضاً ، فإن لم
يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى " ظهر الفساد في البر والبحر
بما كسبت أيدي الناس " [ الروم ] ، ونزل هذه الآية على أحوال
العالم ، وطابق بين الواقع وبينها ، وأنت ترى كيف تحدث الآفات
والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان ، وكيف يحدث من تلك
الآفات آفات أخر متلازمة ، بعضها آخذ برقاب بعض ، وكلما أحدث الناس
ظلماً وفجوراً ، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في
أغذيتهم وفواكههم ، وأهويتهم ومياههم ، وأبدانهم وخلقهم ، وصورهم
وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم
وفجورهم .
ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم ، كما كانت
البركة فيها أعظم . وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن
بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان
ينبت أيام العدل . وهذه القصة ، ذكرها في مسنده ، على أثر حديث
رواه .
وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة
، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم ، حكماً
قسطاً ، وقضاء عدلاً ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا
بقوله في الطاعون " إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل "
.
وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام
، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام ، وفي نظيرها عظة
وعبرة .
وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا
العالم اقتضاء لا بد منه ، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سبباً
لمنع الغيث من السماء ، والقحط والجدب ، وجعل ظلم المساكين ،
والجنس في المكاييل والموازين ، وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور
الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا ، ولا يعطفون إن
استعطفوا ، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم ، فإن
الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور
تناسبها ، فتارة بقحط وجدب ، وتارة بعدو ، وتارة بولاة جائرين ،
وتارة بأمراض عامة ، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا
ينفكون عنها ، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم ، وتارة بتسليط
الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزاً ، لتحق عليهم الكلمة ،
وليصير كل منهم إلى ما خلق له ، والعاقل يسير بصيرته بين أقطار
العالم ، فيشاهده ، وينظر مواقع عدل الله وحكمته ، وحينئذ يتبين له
أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة ، وسائر الخلق على سبيل
الهلاك سائرون ، وإلى دار البوار صائرون ، والله بالغ أمره ، لا
معقب لحكمه ، ولا راد لأمره ، وبالله التوفيق .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الكمأة وماؤها شفاء للعين فيه ثلاثة
أقوال
أحدها أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين ، لا أنه
يستعمل وحده ، ذكره أبو عبيد .
الثاني أنه يستعمل بحتاً بعد شيها ، واستقطار مائها ، لأن النار
تلطفه وتنضجه ، وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية ، وتبقي المنافع.
الثالث أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر ، وهو أول
قطر ينزل إلى الأرض ، فتكون الإضافة إضافة اقتران ، لا إضافة جزء ،
ذكره ابن الجوزي ، وهو أبعد الوجوه وأضعفها .
وقيل إن استعمل ماؤها لتبريد ما في العين ، فماؤها مجرداً شفاء ،
وإن كان لغير ذلك ، فمركب مع غيره .
وقال الغافقي ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد
واكتحل به ، ويقوي أجفانها ، ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة، ويدفع
عنها نزول النوازل .
كباث
في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث ، فقال " عليكم
بالأسود منه ، فإنه أطيبه " .
الكباث ، بفتح الكاف ، والباء الموحدة المخففة ، والثاء المثلثة -
ثمر الأراك ، وهو بأرض الحجاز ، وطبعه حار يابس ، ومنافعه كمنافع
الأراك يقوي المعدة ، ويجيد الهضم ، ويجلو البلغم ، وينفع من
أوجاع الظهر ، وكثير من الأدواء . قال ابن جلجل إذا شرب طحينه ،
أدر البول ، ونقى المثانة ، وقال ابن رضوان يقوي المعدة ، ويمسك
الطبيعة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق